مصر وتثمير الظروف لفرض رؤيتها على حماس وفتح

بقلم: رامز مصطفى

بالعصا السحرية المصرية ، بدأت محركات المصالحة الحمساوية الفتحاوية بالدوران من جديد على طريق إنهاء الإنقسام . هذه العصا ما كانت لتفعل فعلها لولا الظروف الموضوعية التي تمر بها الأوضاع والتطورات السياسية المتلاحقة في المنطقة من جانب ، والظروف الذاتية التي تمر بها الحركتان والمأزق اللذان وصلا وأوصلا الساحة الفلسطينية إليه ، وإن كانت فتح بحكم أنها حزب السلطة تتحمل التبعات الأعلى في هذا السياق .
في الظروف الموضوعية هي تلك التي تشهدها المنطقة من أحداث وتطورات بدأت تتغير بعد سنوات سبع من حروب تشهدها العديد من دول المنطقة ، تمثل فيها التطورات الميدانية على الأرض السورية لصالح الدولة السورية وحلفائها ، وتراجع حلف الممولين والمشغلين من أمريكيين وحلفائها وأدواتها الوضيعة ، وفي الوسط منهم إسرائيل ، التي تحرض اليوم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الخروج من الاتفاق النووي الإيراني ، في خطوة تعويض عن فشلها الذريع في سوريا ، الآخذة في قلب الموازين وكشف زيف الإدعاءات وفضح المستور على المستويين الإقليمي والدولي ، اللذان كانا يلهثان وراء تغيير لحقائق التاريخ وقلبها رأسا على عقب لصالح أن تبقى الولايات المتحدة وإداراتها الناهب لموارد ومقدرات منطقتنا نفطا وغازا ، وفوقهما إسرائيل دولة معترف بها ومقررة في الواقع الإقليمي . إن بدء إنقلاب المشهد وما يفضي إليه مشهد الميدان السوري والعراقي ، وتعثر تحالف العدوان السعودي على اليمن ، وإنعكاس ذلك على المشهد الدولي ، حيث روسيا والصين وإيران يتعزز حضور تلك الدول على الساحة الدولية في مقابل تراجع ملحوظ في الدور الأمريكي ، بسبب ما تعانيه إدارة الرئيس ترامب من أزمات وتخبط حيال الكثير من القضايا المطروحة على المسرح الدولي ، وما تشكله كوريا الشمالية من تحدي لا سابق له للولايات المتحدة من جهة ، ومواقف دول أوربا الغربية التي بدأت ترى في الموقف الأمريكي حراجة لسياساتها من جهة أخرى .
أما في الملقب الآخر فإن الظروف الذاتية التي تعيشها الساحة الفلسطينية لجملة أسباب لم تعد خافية على أحد ، خصوصا وأن طرفي الانقسام ، حركتي حماس وفتح تعانيان وعلى وقع ما تشهده المنطقة من أحداث منذ ما سمي ب الربيع العربي من الكثير من التخبط وعدم القدرة على رسم سياسات برؤى ثابتة وواضحة . فحركة حماس وبسبب تغليب خطها الإيديولوجي كجزء من حركة الإخوان المسلمين وجدت نفسها وبإرادتها أولا في مواجهة مع حلفائها الطبيعيين في خط المقاومة إيران وسوريا وحزب الله ، وعلى وجه الخصوص مع سوريا ، التي لم يعد خافيا على أحد ما قدمته لحماس وهذا بإعتراف قيادة الحركة نفسها . وثانيا عسكرت نفسها إلى جانب دول لطالما أعلنت تلك الدول جهارا نهارا أنها تقف وراء الحرائق المشتعلة في العديد من الدول ، وأن هدفها القضاء على خيار الممانعة والمقاومة في المنطقة ، لصالح المشروع الصهيو أمريكي . هذه السياسة التي اتبعها حماس خلال السنوات السبعة الماضية وضعتها في دائرة الاستهداف بعد أن أسقط حكم الرئيس محمد مرسي في مصر ، واتهامها أن متدخلة في الإرهاب الذي يمارسه كل من الإخوان والمجموعات المتواجدة في سياء والعريش . ومن ثم تحالفها مع قطر التي دخلت في خلافات عميقة وخطيرة مع كل من السعودية ومصر والبحرين والامارات تنذر بنشوب حرب منطقة الخليج ، وكان قد سبقها إعلان الرئيس ترامب ومن الرياض وعلى سمع أمير قطر ، أن حماس وإلى جانبها حزب الله وداعش مجموعات إرهابية . مما وضع حماس أمام خيارات لا تحسد عليها ، لذلك هي وعلى وقع ما أفض إليه مؤتمرها الأخير من نتائج أوصلت بموجبها قيادات جديدة وقف السيد اسماعيل هنية في مقدمتهم متوليا رئاسة المكتب السياسي للحركة ، وبالتالي شهدت الأرض التي تقف عليها حماس في قطاع غزة أيضا تحولات داخلية بنتيجة الانتخابات أوصلت السيد يحيى السنوار مسؤولا للحركة في القطاع وإلى جانبه عدد من قيادات القسام ، كانت من أولى ثمرات تلك القيادة أنها ذهبت مباشرة إلى القيادة المصرية عارضة عليها التعاون الكامل وعلى كل الملفات وأولها الأمنية منها . الأمر الذي نتج عنه تفاهمات في مستويين ، أولا مع القيادة المصرية التي أبدت ارتياحها الكامل لما حملته قيادة حماس في القطاع ، وثانيا تفاهمات جدية مع محمد دحلان غريم حركة فتح وخصمها اللدود ، وهو الذي يترأس ما أسماه ب التيار الإصلاحي في فتح .
أما الوجه الآخر لتلك الظروف الذاتية التي تعيشها الساحة الفلسطينية ، هي حركة فتح ، وما تعانيه أيضا من جملة المشاكل والإرباكات والإحراجات التي ترخي بظلالها على أدائها ، سواء داخل السلطة بوصفها حزبها الرئيس والأوحد ، أو داخل أطرها الداخلية . فهي أي حركة فتح وإن كنا غير مسرورين لذلك ولكن واقع الحال أنها متأثرة تماما بسياسات رئيسها والفريق المحيط به ورؤيتهم إلى الكثير من الملفات والقضايا ، خصوصا ما يتعلق بالتسوية السياسية والمفاوضات مع الكيان الإسرائيلي ، وعدم امتلاكهم لخيارات بديلة وهي متوفرة ، ولكن على مبدأ زوجك وان راد الله ، لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات . ويضاف لكل ذلك ملف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأجهزته الأمنية الذي يسبب ويتسبب في الكثير من خلق المشاكل الأمنية للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها الاعتقال والاغتيال . وفوق كل ذلك ما خلقه محمد دحلان وتياره وقدرتهم على التواجد والانتشار داخل الحركة ومناطق انتشارها ، وداخل المجلس التشريعي ، من حالة فزع جدي للحركة وقيادتها وفي مقدمتهم رئاسة السلطة ، لما يحظى به دحلان من إحاطة ورعاية أقلها من الامارات ومصر ، ناهينا عن الأردن ولربما السعودية ، والغمز من قناة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني . الأمر الذي خلق متاعب حقيقية لرئيس السلطة مع هذه الدول خلال المرحلة الماضية ولا زالت ، لتأتي التفاهمات بين حماس ومحمد دحلان لتزيد من مخاوف فتح وقيادتها .
هذه الظروف سواء الموضوعية أو الذاتية هي من مكنت القيادة المصرية القارئة جيدا لتلك الظروف من تثميرها بعد أن أدركت أن كل من حماس وفتح تريدان طوق نجاة من تلك المآزق التي يعيشها الطرفان . فألقت عصاة سحرها وطوق نجاتها لهما ، فكان لها ما أرادت ، ولتترك كل منهما ان يتخيل أنه قد حقق ما أراد من تلك المصالحة ، التي من الواضح أنها جاءت من خلفية أنها تمهد المشهد على مستوياته إلى تطورات قادمة بشأن مستقبل القضية الفلسطينية .
تنويه وإن كنا كغيرنا ممن يرحبون بالمصالحة الداخلية الفلسطينية ، ولكن من حقنا أيضا ألا نظهر فرحنا كثيرا ، فهناك الكثير مما نجهله عن تلك النقاط التي شكلت هذه المرة الإضافة النوعية حتى تسارعت وتيرة المصالحة ، وللحديث بقية .
رامز مصطفى
كاتب وباحث سياسي