أسامة محاميد خسره الأدب وكسبته الصحافة ..!

بقلم: شاكر فريد حسن

الأستاذ أسامة محمد محاميد ، ابن ام الفحم ، اسم لامع في عالم الصحافة ، وهو رجل علم وتربية يعمل مدرساً في ثانوية أم الفحم الشاملة منذ اكثر من اربعين عاماً، ومن المعلمين الأوائل الذين خدموا اللغة العرببة في مدارسنا الثانوية ،  حمل لواء لغة الضاد ، ولغة القرآن الكريم ، التي شغف بها منذ الصغر حتى الثمالة ، وتخرجت على يديه عشرات الأجيال .

وهو مؤسس ومحرر صحيفة " المسار " الفحماوية ، التي اثبتتت نفسها وحضورها الاسبوعي وجدارتها في المشهد الاعلامي المحلي ، بفضل مستواها المهني وموضوعيتها  في نشر الخبر الصادق ، والتنوع في الآراء والمقالات المنشورة ، والاستقلالية في المواقف ، واحترام لغتنا العربية ، والتزامها المخلص للهموم الفحاوية المجتمعية وهموم شعبنا عامة ، وكونها منبراً حراً ومفتوحاً أمام مختلف الآراء الحزبية والسياسية والفكرية . ولا ابالغ اذا قلت انها الصحيفة الوحيدة التي تصدر بدون أخطاء لغوية وحتى مطبعية الا اذاكان الاستاذ اسامة غائباً لظروف اقوى منه .

بدأ أسامة محاميد مشواره مع الكلمة في كتابة الشعر المنثور ، وأذكر وأنا صغير السن كيف كان يجيء برفقة الاستاذ صلاح محمد محاجنة ابن قريتنا " مصمص" الى بيت أخي المرحوم نواف عبد حسن ، حاملاً أوراقه وأشعاره ليطلع عليها ويراجعها وينقحها ويقول رأيه النقدي فيها ، كي تجد طريقها للنشر في صحيفة " الأنباء" .

وكان كتب الكثير من القصائد الموفقة ، ذات المعاني والدلالات الحية والحس الشعري المرهف ، والمضامين الوجدانية والانسانية والوصفية ، التي تعبر عن لواعج قلبه واحاسيسه الرقيقة النابضة أيام شبوبيته ، ونشر بعضها في مجلة " زهرة الشباب " التي كانت تصدر عن دار النشر العربي ، وفي الملحق الأدبي لصحيفة " الأنباء " ، الذي كان يشرف عليه في حينه الأديب محمود عباسي .

كذلك نشرت قصائده وكتاباته في مجلة " الشرق " التي صدرت بداية عن " الأنباء " واكمل طريقها الأديب محمود عباسي ، وصدرت عن مطبعة ودار نشر " المشرق " في شفاعمرو .، وتوقفت عن الصدور قبل سنوات .

وخلال دراسته الاكاديمية في كلية الآداب في الجامعة العبرية بالقدس ، زاد اهتمام الأستاذ أسامة محاميد بالصحافة والبحث الأدبي والمتابعات النقدية والتعريب ، فراح يجري المقابلات الصحفية وينشرها في " الأنباء" لقاء مبالغ مالية رمزية ، كما اشتغل في الترجمة من العربية والعبرية في صحيفة " جيشر " لمؤسسها وصاحبها الصحفي الفلسطيني زياد أبو زياد .

كذلك عكف الأستاذ أسامة محاميد على كتابة البحث الأدبي والمقالة النقدية وتناول أعمالاً أدبية فلسطينية وعربية ، ونشر العديد منها في مجلة " الفجر الأدبي " التي احتضنت كل الأقلام الأدبية الفلسطينية الجادة والملتزمة ، وكان يشرف على تحريرها الشاعر والكاتب علي الخليلي النابلسي ، وفي مجلة " الجديد " الحيفاوية ، التي استقبلت كتاباته ونشرتها بحفاوة بالغة ودون تردد ، لما تميزت به من بعد وعمق وتحليل موضوعي وعلمي ذو توجه تقدمي ، ولغة عربية فصيحة وبليغة راقية ، ومن أبرز كتاباته في مجال القراءات النقدية والمنجزات البحثية اضاءته التي حملت عنوان " البطل الثوري في صراعه القومي والطبقي- قراءة لرواية علي الخليلي " المفاتيح تدور في الأقفال " المنشورة في العدد التاسع من مجلة " الجديد" العام ١٩٨١، مشيراً أولاً " أن لعلي الخليلي مساحة أثيرة وقيمة في المكتبة العربية عموماً ، والمكتبة الفلسطينية ، خصوصاً ، تشغلها مساهماته الرائدة والغزيرة التي ابدعها في مسافة زمنية لا تتعدى الثمانية إعوام من ١٩٧٤- ١٩٨١. في مضامير أدبية ، مبيناً أن روايته الأولى " مفاتيح في الأقفال " هي " دفعة دفعة اخرى في هذا الزخم الابداعي ، في عدة شخصيات تجمعها وحدة المكان ، الا وهو المخيم والأزقة في حارة الياسمينة بنابلس ، وتوحدهما مرارة الواقع القهري المعاش على الصعيدين الاجتماعي الطبقي - والسياسي - القومي .

وبعد ان يطوف ويغوص في دنيا الرواية محللاً ومستعرضاً ومتوقفاً عند شخصياتها ، يخلص أسامة الى القول " أن الرواية تشكل شهادة حقيقية من مصدر أول عن واقع الناس تحت الاحتلال بعذاباتهم وآمالهم وهمومهم ، وتعتبر خطوة راسخة وجديرة بالاهتمام في مجال الرواية الفلسطينية في المناطق المحتلة .

أما اللغة في الرواية - كما يقول - في الغالب لغة شاعرية رقيقة مشحونة بالمعاني والدلالات الجمة ، لغة قصيرة في جملها وتراكيبها ، تخلو عادة من اللهجة العامية الا في ما اقتضت الضرورة وجودها ، أما الظاهرة الأسلوبية التي تسترعي الانتباه والتقدير فهي توظيف الكاتب للأمثال الشعبية واستفادته من أداء وظيفتها الايحائية والجمالية ومن مساهمتها الفعالة والمؤثرة في عملية التوصيل لدى المتلقي .

ويلقي الاستاذ أسامة محاميد الضوء على كتاب البروفيسور ساسون سوميخ " مبنى القصة ومبنى المسرحية في أدب يوسف ادريس ( الجديد ، عدد ٤/ ه ، العام ١٩٨١) ، مؤكداً أن البروفيسور سوميخ " استطاع في هذا البحث المتواضع تحديد مقومات الفن القصصي والفن المسرحي عند ادريس ومدى براعته فيهما واكتشاف ما يسميه " بالعمليات " الفنية الهامة كالتوليد وأثرها في العمل الأدبي الاصلي والمولد .

ويضيف قائلاً : " ان اسهام البروفيسور سوميخ بهذا البحث القيم يشكل لبنة اخرى هامة ترص الى جانب اللبنات السابقة التي ارساها في دراسة أعمال يوسف ادريس وغيره من كبار الادباء العرب - دراسة مبنوية شكلية ، على الغالب ، تسد النقص البارز في التناول النقدي العربي لهذه الناحية ، التي يحفل بها في قدر احتفالية بالناحية المضمونية الموضعية ".

وفي دراسة اخرى له يتناول الأستاذ أسامة محاميد موضوعة الارض في قصائد شعراء الارض المحتلة ( الجديد ، عدد ٤، العام ١٩٨٥) منوهاً وموضحاً ان هؤلاء الشعراء الذين أحسوا بالمعاناة اليومية  ، خاصة أبناء المخيمات الفلسطينية ، حيث البؤس والشقاء والفقر والجوع ، في ظل الاحتلال وممارساته القمعية التنكيلية ، التصقوا وانغرسوا بالارض حتى الجذور ، وركزوا اهتمامهم بها تجسدت في اشعارهم واعمالهم الابداعية ، لما تعنيه لهم الارض من الوجود والبقاء والوطن والمكان والهوية والتراث والمستقبل ، ويثبت أقواله بنماذج من اشعارهم وقصائدهم ، من ابرزها قصائد علي الخليلي واسعد الأسعد وخليل توما وسواهم الكثير .

تميزت دراسات ومتابعات ومراجعات الأستاذ أسامة محاميد البحثية والنقدية والأدبية ، بالجدية والموضوعية ، وبرؤية نقدية واضحة الرؤى ، تبحث في أدوات التشكيل الفني والمضموني واستراتيجيات وجماليات النص ، وتدهشنا بموضوعيتها بين الجوهري والهامشي .

لقد رافقت الأستاذ أسامة  محاميد ، وواكبت نشاطه الثقافي وكتاباته في الصحف والمجلات الأدبية ، وشاركته همومه الأدبية والصحفية ، ولمست لديه الموهبة الأدبية وميوله الصحفية  الحقيقية ، وخصوبة تعابيره وأفكاره وعناوينه ، واخلاصه للثقافة المحلية ، ومثالاً في العمل والخلق والكتابة ، لكن هموم الحياة ومتاعبها وانشغالاته في التعليم والتدريس سرقته وسلبته من عالم الابداع والنقد والبحوث ، وجعلته يتجه نحو العمل الصحفي المضني والمرهق والمتعب والمسؤول ، فعمل مراسلاً لصحيفة وموقع " بانوراما " سابقاً ، ومراسلاً سابقاً لصوت اسرائيل ، ومحرراً ومدققاً لصحيفة " المسار " الاسبوعية ، المتميزة بمواضيعها المتعددة .

ولو واصل الأستاذ أسامة محاميد اشتغاله في مجال البحث والنقد والكتابة الابداعية لكان له شأن في الحراك الثقافي والنهضة الأدبية على الدوام ، ومساهم في تطوير المفاهيم والأسس التي من شأنها أن ترتقي بالعملية البحثية والنقدية ، ولكان من إصحاب الكفاءات والريادة كقيمة ابداعية نقدية ، وكاحد الطارحين للأسئلة في الشأن الثقافي في البلاد .

أسامة محمد محاميد، الشاعر والكاتب رالباحث العميق والجاد ، والصحفي البارع القدير المتمكن ، خسره الأدب وربحته الصحافة ، وهو صورة للحياة في نسغها الشفاف ، القلق دائماً .

وعندما نؤرخ للحياة الأدبية والثقافية في هذه الديار ، فلا بد أن يكون الأستاذ أسامة محاميد حاضراً في تاريخ وارشيف الحياة النقدية والبحثية في الماضي الغابر والزمن الجميل ، وفي الحياة الصحفية والاعلامية في زماننا الراهن .

تحية حب لأبي باسل الذي لا يمل ولا يكل من العمل الصحفي والمراجعات اللغوية والمطبعية ، لتصدر " المسار " في أجمل حلة وأروع صورة يباهي فيها وينافس ما تبقى من صحف ورقية على الساحة ، لك الحياة .

بقلم/ شاكر حسن