نعيش اليوم ذكرى عاشوراء باحداثها وتفاصيلها ، في ظل انتصارات وانجازات على مستوى المنطقة ، رغم اصرار الكثير، سواء بحسن نية، أم بسوء نية، و تجاهل كل المتغيرات التي حصلت والإصرار على الزعم بأن زمام المبادرة باق بيد المشروع الإمبريالي وحلفائه في المنطقة.
من هنا نرى ان مرحلة التاسيس لثقافة الثورة وتصحيح المسار للامة عبر مفاهيم الحرية والتضحية من اجل العدالة ورفض الاستبداد، هذه المعاني والقيم التي خرج الامام الحسين عليه السلام من اجلها ، اليوم الشعب الفلسطيني لن يفقد البوصلة من خلال ما يقدمه من تضحيات ودم ، وكانت كلمة الرئيس محمود عباس في الامم المتحدة تشكل نموذجا للرد على الاحتلال الصهيوني والقوى الاستعمارية ، بينما قوى المقاومة على امتداد العالم تحقق الانتصارات في مواجهة الارهاب الصهيوني التكفيري بعد كل هذه القرون من تاريخ عاشوراء وموقعة كربلاء وصولا الى هذه اللحظة التي نرى فيها هذه التضحية الهائلة في أيام عاشوراء، في أيام الفداء والشهادة .
من هذا الموقع ونحن في ذكرى عاشوراء نقول أثبت الشعب الفلسطيني انه قادر على مواجهة التحديات بدون انتظار تعاطف ما يسمى بالمجتمع الدولي، حيث يرسم طريق الحرية بدمائه ، من اجل تعديل موازين القوى وجعل قضية التحرير الوطنى عنوانه، من خلال الصمود في الأرض، والدفاع عنها، وردع الاحتلال وعدوانه ومستوطنيه، مما يستدعي انتاج خطاب فلسطيني موحد، يدعم خيار المقاومة بكافة اشكالها ، ويكون مدخلا للنضال في مواقع مختلفة، وخاصة اننا اليوم نحن امام منازلة بين الدم والسلاح تماما، كما كانت المواجهه بين الدم والسيف في كربلاء ، من هنا اكد الرئيس محمود عباس في كلمته ان الشعب الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال الصهيوني، وصل درجة بالغة من الإحباط واليأس، نتيجة عدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، فهذا الشعب مؤمن بعدالة قضيته، وهو يواجه الاحتلال بصدروه العارية وعالم يقف متفرج امام واقع الاحتلال وإجرامه وممارساته اللاإنسانية .
لذلك ونحن اليوم نجد بان شعوب العالم وقواها التقدمية واليسارية ، و الشعوب العربية واحزابها وقواها ومقاومتها الحية تواجه الهجمة الاستعمارية الصهيونية الارهابية التكفيرية ، لتكتب مرحلة جديدة في تاريخ الامة ، انها كربلاء تستعاد في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة في حياتنا ومستقبل منطقتنا من خلال الارادة نحو التضحية من اجل مستقبل افضل للاجيال القادمة .
في ظل هذه الظروف تقف فلسطين لتؤكد للعالم ان قضية فلسطين هي قضية قومية وانسانية ، وان المشاريع الامريكية والصهيونية ستسقط امام ارادة شعب اراد الحياة والتحرير والحرية ، لانه يأخذ من ثورات العالم وفي مقدمتها ثورة الامام الحسين التي كانت ثورة ثقافة لكل انسان وملهمة كل طالب حق وحرية ، وان التنوير والنهضة والوصول الى الحرية قد تكون على حساب الجسد والدم، لهذا نؤكد ان الشعب الفلسطيني شعب النضال و التضحيات ، انه لم يهن ولم يستسلم ، و لم يتوقف
شلال الدم على أرض فلسطين على الرغم من كل المحاولات و الانهيارات، فهذا الشعب الفلسطيني العظيم يخرج دائما من تحت الأنقاض كطائر الفينيق فيعيد الروح ليس فقط إلى مسيرة نضاله بل إلى كل الأمة العربية و إلى كل الشعوب المحبة للسلام و العدالة.
ان ذكرى عاشوراء ملهمة للشعب الفلسطيني بمواجهة العدوان والارهاب الصهيوني في الضفة الفلسطينية والقدس وقطاع غزة في مواجهة سيف الاحتلال المدعوم من الامبريالية الامريكية ومعاقل الظلم التي ساندته من القوى الاستعمارية وكانت قيم كربلاء حاضرة مسيرة نضال الشعب الفلسطيني ، كما كانت حاضرة في مقاومة فلسطين وانتصارات المقاومة في لبنان ، حيث تتواصل راية الشهادة من اجل نيل الحرية وتقرير المصير، من خلال الصوت الفلسطيني الحر الذي استلهم من ثورة الحسين وثورات الاحرار في العالم الصوت المقاوم الذي يتحدى جبروت الاحتلال من اجل تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعه، ليثبت للعالم انه شعب العطاء والتضحية .
في يوم عاشوراء نقراء الاحداث ، حيث نرى سوريا تنهض من تحت الركام والدمار والتدمير والحرق بعد سبع سنوات، وقدمت من الشهداء والضحايا والجرحى والمفقودين والمخطوفين والمعتقلين والمهجّرين، الملايين، والتي انصب الحصار الاقتصادي والسياسي عليها، متمسكة بسياستها وثوابتها الوطنية والقومية، ولم تطأطئ هامتها للاستعماريين القدامى والجدد، ولم ترض للعالم أن يدار من مركز واحد، وبذلك تعطلت إحدى الحلقات الاستراتيجية للمؤامرة الأمريكية للإطباق على العالم، حيث أُحبطت أهم مشروع دموي لإعادة بسط الجهل والظلامية عبر ما أسمي بدولة الخلافة التي اغتصبت جزءاً من العراق لعدة سنوات، وبفضل بطولة الشعب العراقي، واستنفار جهود القوى الحية في المجتمع، أمكن تحرير معظم العراق وإنقاذه من أحفاد هولاكو، فذهبوا ولم يذهب العراق، وهذا تحول تاريخي أيضاً مقارنة بالمخطط الأمريكي الرجعي لتقزيم العراق واحتوائه باعتباره احد اهم مراكز الثقل في الصراع العربي – الصهيوني، حيث كان لتحرير الموصل أكبر الأثر في خلق قاعدة مشتركة للتعاون السوري العراقي الذي سيؤدي دوراً كبيراً في تغيير المعادلات في الشرق الأوسط.
أما في لبنان فقد تمكن الجيش اللبناني وقوى المقاومة من إنجاح عملية التنسيق بينهما وبين الجيش العربي السوري والمقاومة الوطنية اللبنانية، حيث تمكن من القضاء على فلول الإرهابيين في جرود عرسال، بمعارك بطولية يشهد التاريخ عليها، وأعطت مثلاً على قدرة التعاون العربي على إحداث تأثيرات عميقة في القدرات الهائلة التي تختزنها القوى الوطنية العربية إن تعاونت معاً.
وبعد غياب فلسطين، الغياب النسبي بالطبع عن واجهة الأحداث، تفجرت أرضها غضباً ونزل عشرات الألوف من الفلسطينيين إلى الشوارع يقارعون جنود الاحتلال بصدورهم العارية، يدافعون عن وطنهم ومقدساتهم، رافضين المحاولات الإسرائيلية لتهويد فلسطين ومحو طابعها العربي.
لقد أفرزت أيام فلسطين الأخيرة دروساً عديدة، أهمها أن التنازل للعدو الإسرائيلي ليس هو الطريق لاستعادة الحقوق، ويجب على الفعل السياسي أن يقترن بعمل جماهيري واسع ضد الاحتلال، وإلا فإنه لن يؤدي إلا لترسيخ الاحتلال.
وإذا أردنا الخوض في تفاصيل الوضع العربي، فسوف نصل إلى دروس هامة ومشتركة على معظم الجبهات العربية.
إن هذه اللوحة العامة للوضع العربي تشجع على القول إن هذا الوضع هو على عتبة التحولات الكبرى، فالادارة الامريكية ليست في وضع يمكنها من التدخل المباشر ضد سورية والعراق ولبنان، وروسيا توطد علاقات الصداقة مع قوى المقاومة وغيرها إلى الدرجة التي أصبح معها أي عدوان أمريكي ضد المنطقة هو عملية انتحار سياسي وعسكري لها، والشعوب كسرت هيبة أمريكا ورهبتها.
لهذا نقول في ذكرى ثورة الامام الحسين عليه السلام ، إذ لا مهادنة ولا ضعف في وجه قوى الارهاب التكفيري المدعوم من الرجعية العربية والقوى الامبريالية والصهيونية، مهما كان الثمن ، فلنزرع فينا جميعا روح المقاومة لأنها حاجة موضوعية تفرضها طبيعة المرحلة، من خلال تصعيد وتيرة الكفاح والنضال بمواجهة هذه الجرائم ، حتى تتمكن الشعوب من العيش حرة كريمة، و الشعب الفلسطيني يؤكد للعالم بأن الدم سينتصر على السيف مهما كانت الصعوبات.
ختاما : أن فلسطين ستبقى قضية الامة الاولى ومهما تطورت الاحداث ، فان وحدة الموقف الفلسطيني وتمسكه بخيار المقاومة بكافة اشكالها هي الطريق حتى زوال الاحتلال ، وعلى القوى الوطنية والتقدمية والقومية واليسارية في العالم العربي، تشكيل جبهة عريضة لمقاومة المشروع الإمبريالي والمشروع الإرهابي بغية دحره تماماً، والعمل على بناء المشروع النهضوي العربي تكون بوصلته فلسطين.
بقلم/ عباس الجمعة