بعد خطاب الرئيس أبو مازن : فراغ استراتيجي ومستقبل غامض

بقلم: إبراهيم أبراش

بعد ثلاثة عقود تقريبا من (هجوم السلام الفلسطيني ) فإن حل الدولتين وصل  لطريق مسدود وقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67 أصبح شبه مستحيل وهو ما حذر منه الرئيس أبو مازن في خطابه الأخير في الأمم المتحدة ،حيث قال بأن الفلسطينيين سيقومون بمراجعة إستراتيجية لكل عملية التسوية وكان واضحا في نعي تسوية أوسلو وفشل السلطة التي تحولت لسلطة بدون سلطة ،بل حذر بأنه سيحل السلطة ويترك إسرائيل لتتحمل مسؤوليتها كدولة احتلال والعودة لخيار الدولة الواحدة من البحر إلى النهر ، إلا أن الرئيس أبقى الباب مواربا لكل احتمال إلا اللجوء للعنف والإرهاب .

ما بين الواقع المر الذي شخصه الرئيس والقيام بالمراجعة الاستراتيجية التي تحدث عنها هناك فراغ استراتيجي ومستقبل غامض يكتنف القضية الفلسطينية يتزامن مع حديث غامض أيضا عن معادلة تسوية جديدة (الصفقة الكبرى) ،وفي حالة عدم سرعة الفلسطينيين في ملء الفراغ من خلال القيام بالمراجعة الاستراتيجية فإن قوى أخرى ستملأ الفراغ بما يتعارض مع مصالح والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .

ما يزيد الأمور تعقيدا أن الفراغ الاستراتيجي يتزامن مع انقسام داخلي وضعف شامل في مؤسسات النظام السياسي سواء تعلق الأمر بمنظمة التحرير أو بالسلطة ، الأمر الذي يطرح تساؤلات كبيرة عن الجهة المؤهلة للقيام بالمراجعة الاستراتيجية وتصويب المسار الوطني .

لأن حركة فتح تاريخيا احتكرت ليس فقط موقع القيادة في المنظمة والسلطة بل أيضا احتكرت مهمة رسم السياسات العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ 1969،سواء تعلق الأمر بتحديد الأهداف الاستراتيجية أو الوسائل النضالية المناسبة لكل مرحلة أو شبكة التحالفات العربية والدولية ، ولأن كل مشروع التسوية والسلطة الوطنية ارتبط بحركة فتح فإن عليها الرهان للقيام بالمراجعة الاستراتيجية .

فلحركة فتح تعود فكرة الدولة الديمقراطية العلمانية 1970 ، ولها أيضا يُنسب البرنامج المرحلي وفكرة السلطة الوطنية المقاتلة على أية أرض فلسطينية 1974 ، ثم تبني فكر التسوية السياسية وحل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية وذلك عام 1988 ،وهي وراء (التغيير الثاني) للميثاق 1996  .

منذ توقيع اتفاقية أوسلو 1993 ثم قيام السلطة الوطنية 1994 رهنت حركة فتح نفسها ومعها كل القضية الوطنية بمشروع حل الدولتين وإمكانية أن تتحول السلطة الوطنية لرافعة للدولة المستقلة ،وعلى هذا الأساس جمدت أو علقت حركة فتح كينونتها كحركة تحرر وطني بذريعة أن المرحلة مرحلة تسوية سياسية ستؤول لدولة ،واستحقاقات التسوية تتعارض مع وجود جماعات فدائية ومقاومة مسلحة ، بل أحدثت الحركة تغييرا على مستوى التعبئة الوطنية والحزبية والثقافية حتى لا يتم اتهامها بالإرهاب أو التحريض ، وتحولت إلى حزب سلطة . ونظرا للموقع القيادي لحركة فتح في المنظمة والسلطة فإن ما طرأ على برنامجها ومواقفها من تغيير انعكس على الأحزاب الفلسطينية الأخرى داخل المنظمة .

بعد ما ذكرناه حول فشل أو مأزق حل الدولتين الذي يعني فشل ومأزق استراتيجية حركة فتح وبالتبعية استراتيجية منظمة التحرير ، فإن الكرة في ملعب حركة فتح لتضع استراتيجية المرحلة القادمة  حتى لا تبقى حركة فتح معلقة في فراغ استراتيجي ستملؤه قوى فلسطينية أخرى أو أطراف خارجية . والسؤال :هل الوضعية الراهنة لتنظيم حركة فتح تؤهلها للقيام بهذه المراجعة الاستراتيجية ؟.

الخروج من حالة الفراغ الاستراتيجي والقيام بالمراجعة الاستراتيجية التي تحدث عنها الرئيس يتطلب النظر بجدية في خيار حل الدولتين ،فإما التمسك به والتأكيد عليه وفي هذه الحالة يجب تغيير مرجعيته المؤسَسة على الاتفاقات الموقعة والإرادة الأمريكية والقبول الإسرائيلي ،و اشتقاق وسائل نضالية جديدة للوصول للدولة الفلسطينية ،أو الإقرار بفشل خيار حل الدولتين وبالتالي الاشتغال على حل الدولة الواحدة بما يتطلب من إعادة بناء حركة فتح ومنظمة التحرير والنظام السياسي برمته باتجاه معاكس لاستحقاقات والتزامات اتفاقية أوسلو ومجمل عملية التسوية الراهنة .

وحتى تقوم حركة فتح بهذا الدور عليها إعادة تصليب بنيتها التنظيمية ومؤسساتها وتغيير إستراتيجيتها وخطابها السياسي ،أيضا تصويب علاقاتها الوطنية وخصوصا مع مكونات منظمة التحرير  ومع فلسطينيي الشتات وإنهاء حالة الانقسام . وإعادة تصويب علاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي ،فالحركة فقدت كثيرا من أنصارها ومؤيديها عربيا وإسلاميا ودوليا بسبب ارتباط اسمها باتفاقية أوسلو  وبالسلطة وبالتنسيق الأمني مع الاحتلال .

حركة فتح دون غيرها هي المسئولة والمؤهلة للقيام بالمراجعة الاستراتيجية ،ومدخل المراجعة أن تباشر استنهاض نفسها وفكرها حتى تكون مؤهلة  لإعادة استلام زمام الأمر الوطني ،وهذا يتطلب التحرر من السلطة واستحقاقاتها وأن تتولى الحركة مهمة إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير حيث لا قيمة لحركة فتح دون منظمة التحرير ، فالعودة لمنظمة التحرير هو سلم النجاة للشعب الفلسطيني وللمشروع الوطني ولحركة فتح ذاتها .

د/ إبراهيم أبراش

[email protected]

 

المصدر: د/ إبراهيم أبراش -