الاطفال يجيدون التعبير

بقلم: أسامه الفرا

لا أعرف إن كانت رهف قد سبق لها أن التقت بمسؤول أو أنها اعتلت يوما ما المنصة في مهرجان تزاحمت فيه الخطب العصماء، وبالتأكيد لم تحل يوما ضيفة على برنامج تلفزيوني بصفتها محللة سياسية أو خبيرة في شأن ما، لكنها وجدت نفسها متحدثة في الاجتماع الوزاري الذي عقد في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة برعاية الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي، رهف التي تبلغ السادسة عشرة من العمر جاءت بصفتها عضوا سابقا في البرلمان الطلابي المركزي التابع للأونروا في الاردن، لم تلجأ في حديثها إلى كلمات نارية تجلد بسياطها الحضور ويصفق لها الأهل والأصدقاء والأحبة، تحدثت للحضور باللغة التي يفهمها ويتفاعل معها حيث قالت إننا ضحايا ظلم تاريخي ونحن نعلم هذا، إلا أننا لا نريد للعالم أن ينظر إلينا باعتبارنا ضحايا فحسب، نحن نريد للعالم أن يرى شغفنا ومهارتنا ورغبتنا العميقة بالمشاركة والمساهمة، إننا نريد أن يتم احترام حقوقنا.

الطفل كريم البالغ الثالثة عشرة من العمر والذي شارك رهف في الحديث للمندوبين خاطبهم بلغة يحترمونها حين قال أن حضوره لهذا الاجتماع لم يكن محض صدفة، حيث تم انتخابي رئيسا للبرلمان الطلابي المركزي التابع للأونروا في غزة وإنني أمثل ما مجموعه 270000 طالب وطالبة، وعليكم أن تسمعوا أصواتنا، أراد كريم أن يقول للعالم أن أطفال فلسطين رغم الحروب المدمرة المتتالية والحصار والفقر إلا أنهم وسط ذلك يمارسون الحياة الديمقراطية ويتمسكون بمستقبل يتطلعون اليه مبني على قواعد الحياة المدنية التي يؤمنون بها، وفي معرض كلمة المفوض العام للأونروا بيير كرينبول للمؤتمرين طالبهم بالتحلي بالشجاعة التي يبديها الطلاب يوميا مطالبا المندوبين بالارتقاء لمستوى آمالهم وتوقعاتهم.

في الوقت الذي استنفرت فيه حكومة الاحتلال قدراتها في محاولة منها لتغيير واقع عمل الاونروا، ونزع الصفة عنها كجهة دولية مختصة بمعالجة قضايا اللاجئين وفي محاولة منها لوقف عملية توريث صفة لاجيء، جاء الاجتماع الوزاري في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي أعرب فيه الدبلوماسيون والمانحون عن دعمهم القوي للأونروا ولمهام ولايتها، واعتبر المراقبون أن أحد نقاط قوة الاجتماع ونتائجه الايجابية تمثلت في الخطاب الذي تحدثت به رهف للمؤتمرين وكذلك زميلها كريم، والذي كان من نتائجه تقليص عجز الموازنة التي تعاني منه الاونروا من 126 مليون دولار إلى 77 مليون دولار.

شاركت قبل أيام في ندوة نظمتها بلدية خان يونس بمناسبة مرور مائة عام على تأسيسها، سئلت عن اللحظة التي شعرت فيها بالنجاح خلال مرحلة عملي بالبلدية، لم أجد أفضل من تلك التي كنت فيها بصحبة طفل من مخيم خان يونس للمشاركة في تأسيس نادي مدن أصدقاء الأطفال في مدينة نابولي الايطالية بمشاركة 13 مدينة على مستوى العالم، بحضور لافت من قيادات سياسية وازنة يتقدمهم رئيس وزراء ايطاليا والمدير التنفيذي لمنظمة اليونيسيف، كنت قد أعددت خطابا استحضرت فيه مصطلحات ثقيلة الوزن تضفي على الخطاب الصفة الهجومية النارية، وكذلك فعلنا في الكلمة التي سيلقيها الطفل أمام الحضور، بينما كنا ننتظر أن تبدأ فعاليات المؤتمر طلب صديقي الايطالي أن يطلع على الخطابين المعدين من قبلنا، بعد أن اطلع عليها نصحني بأن نضعهما جانبا ونتحدث بلغة مبسطة عن معاناة أطفال فلسطين وحقهم في العيش بحرية وكرامة، أبدع الطفل حين استعرض بكلمات واقعية ومؤثرة تفاصيل يوم في حياته، أجبرت الحضور على الوقوف طويلا تقديرا لما جاء فيها، والمؤكد أنها تركت أثرا لا يمكن للخطب النارية التي اعتدنا عليها أن تحقق القليل منه.

العالم بحاجة لأن نخاطبه بلغة انسانية يفهمها لا بمفردات العنترية التي اعتدنا عليها ونطرب لسماعها، نحن بحاجة لإيصال القضية الفلسطينية ومعاناة شعبنا بطريقة تكسبنا المزيد من الاصدقاء والتأييد لحقوقنا المشروعة، أليس من المفيد لنا أن نخلق الفرصة لابن اسير فلسطيني أن يتحدث للقادة القادمين الينا عن معاناته، الا يجعل ذلك من قضية الأسرى اكثر حضورا وتأثيرا من تناولها بمفردات احصائية صماء، ولماذا لا نترك المجال لأحد الناجين من الحروب المدمرة علينا، التي أبقته وحيدا بعد أن اقتلعت اسرته من الحياة، لأن يحدث قادة العالم عما فعله الاحتلال بالشعب الفلسطيني.

بقلم/ د. أسامه الفرا