كم اشعر بالسعادة والنشوة حين أقرأ للباحثة والناقدة الشفاعمرية جهينة الخطيب ، فهي مثقفة مزدانة بالعمق والصدق والغنى اللفظي الكلامي ، لمساتها ومجساتها تدب وتغوص في رحم النص الابداعي ، ولا تدع شيئاً الا وتفصله ربما تجد فيه خفياً عن الانظار او درة بلاغية اندست بين السطور .
ومنذ سنوات خلت ظهرت جهينة وبزغ نجمها في المشهد الثقافي والساحة النقدية ، فهي باحثة وناقدة مشغلها النقدي لم يتباطأ او يتوقف ، كلماتها بلون الورد والزهر ، ونقدها بنكهة رب الخروب ، انها كالشجرة المثمرة التي تعطي بلا حدود ، ولطالما حيرتنا بعذوبة وانسيابية كتاباتها ، وادهشتنا بارائها ومواقفها النقدية .
جهينة الخطيب المهتمة بالبحث والدراسة والنقد ، نهر عمادها حبرها ، ومصادرها وابحاثها انسانية منتفضة ، اما منتهاها فاللامتناهي ، وهي تبدع في الطيران على قمرها النقدي ، مغردة بفم القصيدة والقصة والرواية والخاطرة جاعلة لكلماتها طعم النهضة الثقاية والبحث الادبي والنقد الاكاديمي الموضوعي الجميل ، الذي تأسس على ايدي عمالقة الفكر والادب الذين يشتغلون في الكتابة البحثية والنقدية العربية .
جهينة الخطيب متجددة كأنها تخرج من طور تقدي وبحثي الى طور آخر ، تخرج من السؤال او الدهشة الى ادهاش الذات والقارئ المتابع بمنجز نقدي طالما افتقدناه في مشهدنا وحياتنا الثقافية والأدبية ، وان كانت لم تحظ بما تستحقه من تقويم لتجربتها النقدية وتقديم وتقريظ يليق بهذا الوجه النقدي الراهن ، الجديد نسبياً في فضاءاتنا ، هذا الوجه الذي اثبت تألقه وحضوره واشعاعه النقدي على الساحة ، رغم النعيي والزعيق والصراخ غير المفهوم ، وكأننا نعيش في شيزوفرينا .
لا يخفى على احد ان النقد الادبي هو موهبة وعبقرية والهام والمام بالنظريات المنهجية والتسلح بفكر تحرر واع ، وتعمق في النصوص والبحث عن الدرر والجواهر الكامنة فيها اضافة الى الهفوات والعثرات التي وقع فيها صاحب النص .
جهينة الخطيب كاحلام مستغانمي ونوال السعداوي تعتبر من دون اعلان واعلام ان " الدكترة " هي الاساثناء ، وان الكتابة هي الاصل والقاعدة بالنسبة للنساء العربيات اللواتي حرمنا بقوة " الريجيم الثقافي ، من حق القراءة والكتابة والتعبير الجزل البليغ ، وكان ردها على القهر الثقافي في اسلوبين، الذي يحاصر الانثى في اسلوبين ، اسلوب البحث العلمي النقدي من خلال التركيز على الرواية الفلسطينية واعلامها النسوية ، وقوة الحضور من خلال المحاضرات التي تقدمها كمحاضرة للغة العربية في كلية سخنين .
عناوين جهينة الخطيب تدلنا وترشدنا الى مفاتيح افكارها وتوجهاتها ، وتدلنا على مدى رغبتها كناقدة في التأسيس لفكر ووعي نقدي لا يساوم على الحقيقة ، فهي ناقدة بامتياز بشهادة البعض ، ناقدة واقعية ملتزمة بالصدق النقدي الكتابي ، مغامرة خارج الرسمي التقليدي ، فتكتب لاجل الاقتناع الذاتي ، وهي منذ بداياتها التفاكرية البحثية تقدم سجلاً للثقافة النقدية الفلسطينية والعربية الراهنة المعاصرة ، قوامه نقد كل ما يشوه جمالية الابداع بكل الوانه وتجلياته ، ورقيت بمنجزاتها البحثية واعمالها النقدية ، التي ان دلت على شيء فتدل على شفافية المرأة وسطوع تجربتها الادبية .
شاركت جهينة الخطيب في الكثير من المؤتمرات والندوات والحلقات الثقافية في كل من تونس والاردن والهند وفلسطين ومصر وغير ذلك .
ففي تونس شاركت جهينة في مؤتمر النص والترجمة ، وكان موضوع بحثها " الشعر بين امانة الترجمة وجمال الخيانة ، ترجمة الشعر العبري الى اللغة العربية انموذجاً.
وفي الاردن شاركت في مؤتمر النقد الخامس عشر بجامعة اليرموك ، وكان عنوان بحثها " تأثير العبرية على العبرية العامية المحكية .
اما في الهند فشاركت بمؤتمرين ، وكان موضوع بحثها " ادب الاطفال في فلسطين - دراسة
تأسيسية ، بينت من خلالها مراحل تطور الادب الفلسطيني في المناطق المحتلة من خلال مؤسستين معروفتين هما مكتبة كل شيء لصاحبها صالح عباسي وبراعم الزيتون في حيفا .
كذلك كان لجهينة خطيب مشاركة فاعلة في يوم الثقافة الوطنية بفلسطين ، حيث تحدثت عن الرواية الفلسطينية ، نشأتها واعلامها ، مؤكدة ان الثقافة هي جسر من جسور مقاومة الاحتلال وتعزير الهوية الفلسطينية ، وهي ترى ان الرواية الفلسطينية المعاصرة الراهنة اقتربت من الذاتية ونقد الذات وتيار الوعي والخروج عن التقليد العام في طرح الموضوعات بحيث لم يعد للبطل المثالي وانما البطل الحائر ، ولم تعد البلاغة سحينة البلاغة للغوية .
جهينة الخطيب ربطت النقد بالعلم ومعاييره ، وشغلت مكاناً شاغراً في مسار الدراسة والبحث والنقد الادبي ، بمواكبة ومتابعة النصوص الروائية خاصة ، ليس ترفاً فكرياً او شروداً من اعباء الحياة ، بل بحثا عن وسائل انجع في التفكير والعمل .
والنقد عند جهينة ، عدا عن كونه رسالة انسانية ، وانما هو احساس وتفاعل وانسجام مع احداث وتطورات النص الابداعي ، وما يشفع لها ان نقدها لا يحتاج الى ترجمان يفسره او يفهمه ، وتتجلى موهبتها وميولها البحثية والنقدية ، في كتابها البحثي "تطور الرواية العربية في فلسطين ٤٨ ، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ثوهو دراسة تأسيسية شاملة لمسيرة الرواية الفلسطينية وتطورها لدى الروائيين الفلسطينيين في الداخل ، وتتوقف عند الاتجاهات الفنية للتجربة الروائية وتقنياتها ومضامينها المتنوعة المختلفة .
وتوضح جهينة الخطيب ان الادب الفلسطيني في ادب الداخل يحتل موقعاً خاصاًً ومتميزاً باعتباره جزءاً من الادب الفلسطيني ككل رغم ان مبدعيه يقيمون في الدولة العبرية ، ورغم محاولات عزلهم عن محيطهم الثقافي ، مؤكدة ان التطور الحقيقي للرواية العربية الفلسطينية في حدود عام٤٨ يكمن في بنيتها السردية ، كيث كان الادب في البداية يلهث وراء الافكار ، وتغير تدريجياً ، فتنوعت الصيغ السردية لتشمل السرد الذاتي وتعدد الاصوات والاسترجاع وما الى ذلك .
وتشير جهينة الخطيب في كتابها الى تميز الروايات الفلسطينية بهيمنة تفكرة التشبث بالوطن والارض والهوية والتمزق والعلاقات العربية اليهودية في الداخل .
وهي تتفق مع الكثير من دارسي الرواية الفلسطينية على ان اول رواية فلسطينية هي " الوارث " للكاتب خليل بيدس العام ١٩٤٥، وهذا الكتاب البحثي هو عنوان اظروحتها للدكتوراة في جامعة اليرموك، وهو يشكل اضافة نقدية وبحثية ، واضاءة على روياتنا الفلسطينية في الداخل .
جهينة الخطيب باحثة وناقدة فلسطينية ، شيمها الصدف اللؤلؤي ، يرفعها الجمال الصوري من بين رمل وبحر ، الى جرح الكلام ، وارقاه النقد الادبي في عمقه واكاديميته وموضوعيته .
انها جواد بحري غريق ، عشق احلام جيل ثقافي ما زال يتوالى رحيقاً الى رحيق ، كأن قمقمها الابداعي لا ينفذ .
جهينة الخطيب صنعت نفسها وعالمها البحثي النقدي في آن ، على غير منوال ، لكانها من الريح ، تحمل قلباً وروحاً واحساساً ورهافة ، وهي تزهو كالرييع في نقدها وبحثها زهواً مديداً لعله في البحار تلقى جديداً من ضوء او نور .
جهينة الخطيب زهرة في بساتين الثقافة النقدية ، يفوح عطرها وعبيرها وشذاها في سماء الادب ،
انها انسانة مثقفة وواعية نهلن من ينابيع الفكر والتراث النقدي والمرجعيات الادبية ، كما انها ناقدة قديرة لها حضورها الساطع بروحها واصالتها واناقتها وحروفها الذهبية ، وتعابيرها المسبوكة بشكل واضح وجميل ، ونلمح بين اخواتها نقداً صريحاً وقرميداً يلم النجوم وياسر النفوس .
التحايا لجهينة الخطيب مع التمنيات لها بحياة عريضة هانئة ومعطاءة ، والمزيد من الاصدارات البحثية التي تفتقر لها مكتبتنا الفلسطينية والعربية .
بقلم/ شاكر حسن