في لحظات نقيم فيها التجربة نتوقف امام فارس فلسطين الشهيد القائد الكبير محمد عباس ابو العباس الامين العام السابق لجبهة التحرير الفلسطينية عندما اختار لحظة الرد على الغزو الصهيوني للبنان والرد على مجزرة حمام الشط في تونس ، هذا القائد الذي حدد هدف ثابت لنزول عملية اكيلي لاورو والتي تتزامن مع ذكرى حرب تشرين ، حيث وقع اختياره على طاقم العملية قرر هؤلاء الفرسان تنفيذ الأمر الذي أتاهم دون التفكير للحظه بأنهم سيعودون بل استعدوا للشهادة التى طلبوها عند تلبية النداء، ولكن ان هذه العملية التي ورد بحق ابطالها لغط كبير ، وكانت بوصلتها فلسطين ، حيث كتب ابطالها نماذج الفداء التي لا يماري فيها احد ولا يشك فيها عاقل، والتي قيل الكثير عنها بوسائل الإعلام وحاول العالم وصمها بالإرهاب وتم عمل أفلام ومسلسلات في واقعها خطت الكتب والمذكرات التي تستعرض تفاصيلها وتحدث عنها الكثيرون ولكنها ستظل علامة فارقه في نضال شعبنا الفلسطيني وستظل هذه العملية وأبطالها الذين استشهدوا و مازال منهم البعض على قيد الحياة أبطال للشعب الفلسطيني ، وان سفينة اكيلي لاورو كانت وسيلة للوصول الى ميناء اشدود ، حيث إثبتت العملية بانه يمكن للثورة الفلسطينية الوصول إلى أهدافها رغم كل الإجراءات الامنيه المتخذة واجتياز كل العوائق ، وأبراز قضية شعبنا في المحافل الدولية ، ولكن ما جرى من خطأ نتيجة صراخ احد الركاب على متنها ادت مقتل المواطن الأمريكي اليهودي الكسيح ليون هوفر نتيجة وقوعه بظروف غامضة في البحر المتوسط نتيجة الرعب والهلع الذي ساد ركاب الباخرة عندما استولى الفدائيون عليها وبعد اكتشاف ابطال المجموعة ، عمل الشهيد القائد ابو العباس على انهاء العملية لأقل الخسائر الممكنة لأن هدف العملية لم يكن خطف مواطنين .
وامام ما جرى رد الشهيد ابو العباس على وسائل الاعلام نحن ليس إرهابيون ، أننا أصحاب قضية عادلة، مؤكدا إنما الخوف والرعب والهرج الذي ساد بين الركاب أدى إلى وقوعه في البحر، مضيفا اني اعتقد جازما أن ابطال العملية لم يقترفوا هذا الحادث الأليم، ولا يمكن لهم أن يقترفوا مثل هذا العمل لان التوجهات الحفاظ على المدنيين ، ونحن في الثورة الفلسطينية نمارس حقنا في النضال التي اقرته المواثيق الدولية.
هذه هي قيم الثورة وقيم المناضلين الشرفاء الذين ضحوا بأرواحهم وأنفسهم من أجل فلسطين لا من أجل رتب وهمية ومناصب فخرية وكراسي حكومية إنهم أبطال فلسطين أبنائها الأغرار رغم الظروف القاسية .. الصعبة .. المحفوفة بالمخاطر .. لكن العزيمة كانت هناك في الصدور التي أقسمت على اقتحام المصاعب فداء لدماء وارواح الشهداء.. كانت كلمات الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية الشهيد القائد ابو العباس قاسية في ذاك الوقت.. إلا أن نجاح العملية أغنى عن ذلك ، فكانت عملية اشدود او سفينة اكيلي لاورو العملية العابرة للقارات ، لأن هدفها اطلاق سراح عدد كبير عدد الاسرى والمعتقلين وفي مقدمتهم انذاك الاسير المناضل الشهيد القائد سمير القنطار ، وإثبتت العملية بانه يمكن للثورة الفلسطينية الوصول إلى أهدافها رغم كل الإجراءات الامنيه المتخذة واجتياز كل العوائق ، وأبراز قضية شعبنا في المحافل الدولية.
في هذه الحقبة التاريخية الشاقة التي كانت تنظرها جماهير الشعب الفلسطيني والعربي قرر فارس فلسطين الشهيد القائد ابو العباس نزول عملية اكيلي لاورو والتي تتزامن مع ذكرى حرب تشرين ، وهي بكل تأكيد انتقاما لدماء الشهداء وإستمرارا للكفاح المسلح رغم بعد المسافات ، ورفضا للضغوطات على الشعب الفلسطيني او الرضوخ لاي تسوية تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني ، كما مثلت هذه العملية في الوقت نفسه تصميم المناضلين على أخذ زمام المبادرة لشق طريق النضال من اجل تحرير الارض والانسان والتي هي في الوقت نفسه طريق مسؤولية الجماهير العربية كلها.
لا شك فيه نحن عندما نقف امام الذكرى السنوية لعملية اكيلي لاورو ، نتوجه بالتحية الى ابطالها من شهداء واحياء فهم يستحقون اوسمة الشرف والعزة ، نتذكر الرمز الشهيد القائد الامين العام ابو العباس الذي كان له الدور الرئيسي في صوغ الرؤية النضالية للجبهه وبرامجها وتوجهاتها الفكرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية، والذي لم يكن قائدا ورمزا جبهاويا فقط ،بل كان قائدا ورمزا فلسطينيا وعربيا وأمميا بامتياز،وكان بمثابة البوصلة التي يسير بهديها كل المناضلين والثوريين، وكذلك رفاقه القادة الامناء العامين طلعت يعقوب وابو احمد حلب ، ورفاقهم القادة سعيد اليوسف وابو العمرين وابو بكر وابو العز ومروان باكير وجهاد حمو وكل القادة العسكريين وابطال العمليات في الجبهة ،هذا الرفيق الذي كان قائدا جماهيرا بجدارة واستحقاق ، هذا القائد قاد مدرسة الجبهة واعتقل واستشهد في سجون الاحتلال الامريكي الصهيوني في العراق، دفع حياته من اجل فلسطين كان متسلحا بنفس قناعاته وأرائه ،وشكلت تحت عناوين مختلفة .
وفي ظل هذه الظروف تعرضت جبهة التحرير الفلسطينية الى حصار مالي ومعنوي ، الا ان قيادة الجبهة توجهت في الوقت ذاته بنداء مفتوح إلى كافة القوى والفئات الفلسطينية للإلتقاء الوطني الثوري ، اكدت فيه ان المعركة طويلة وقاسية ، لذلك لا بد من الضرورة العمل السريع من اجل توحيد الصف الفلسطيني وذلك بانهاء الانقسام السياسي والجغرافي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، ورسم استراتيجية وطنية تستند لكل اشكال النضال بما فيها إضافة إلى الاستمرار بالذهاب إلى المؤسسات الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، لافتا إلى أن هذه التوجهات قد تشكل طريقا نحو عزل إسرائيل دوليا.
ان عملية اكيلي لاورو والعمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية لم تكن لولا احتلال فلسطين من قبل كيان استيطاني عنصري صهيوني هجر الشعب الفلسطيني وما زال يستهدف الشجر والحجر والبشر وتهويد القدس ومصادرة الاراضي وبناء دولة المستوطنات داخل الضفة الفلسطينية ، وقد اثبتت الاحداث ان الصراع مع الاحتلال لم يتغير رغم مرور اربعة وعشرون عاما على المفاوضات العقيمة التي لم تجلب سوى مزيدا من الكوارث من قبل الاحتلال وخاصة ان طبيعة الصراع في فلسطين انما هو صراع وجود وليس صراع حدود مع الاحتلال الصهيوني .
ومن هنا تحتل مكانة شهر اكتوبر سمة خاصة في تاريخ شعبنا العربي والفلسطيني و تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية ، فكانت انتصارات مجيدة سطرها الجيش العربي السوري والمصري بأسمى آيات البطولة والفداء في أكتوبر عام 1973 ، بغض النظر عن اخفاق وصول عملية اشدود الى سواحل فلسطين عام 1985 ، ولكن ابطالها قالوا للعالم و لقادة العدو الصهيوني نحن سنبذل الغالي والرخيص من اجل الرد على مجازركم ، ونحن على استعداد للتضحية في سبيل حرية فلسطين واسراها ، ونحن من يحدد الزمان و المكان المناسبين متى أردنا ،واليوم الشعب الفلسطيني بكل فصائله وقواه ومناضليه يرى ان الابعاد السياسية الراهنة التي تقوم بها القيادة الفلسطينية تتطلب ارادة فولاذية ورؤية ثاقبة والتفاف جماهيري .
ومن هنا تتسارع الاحداث على الساحة الاقليمية فيما الانظار مشدودة على شريط الاخبار العاجلة لمحطات التلفزة ومختلف الوسائل الاعلامية لما تحققه المقاومة العربية الشاملة حيث يسقط اسطورة الارهاب المدعوم دوليا، حيث أثبت الشعبين السوري والعراقي أنهم عاشق للحياة مؤمنين بثقافتها كا اثبتت ان المقاومة لا يمكن ان يهزمها الارهاب فهي صامدة محققة الانتصارات على كافة الجبهات.
ختاما الطريق شاق ووعر وشائك جدا وكل الذين راودتهم فكرة ارتياد هذا الطريق الى فلسطين ، فصحيح ان عملية اكيلي لاورو أكثر تعقيدا ، ولكن كتبت مجدا في التاريخ الفلسطيني ، وهذا كله يجب أن يخدم هدف استعادة قدرة شعبنا على المواجهة مع العدو باتجاه تحرير أرضه، ومواجهة ما يحاك اليوم من هجمة جديدة على الشعب الفلسطيني تحت يافطة اتجاه دولي وإقليمي لتصفية القضية الفلسطينية، ومواجهة ذلك تتطلب الكثير من الوضوح والصدق والتضحية من الجميع.
بقلم/ عباس الجمعة