بعد غد، الأثنين، سيمر أسبوع على البدء الفعلي للمصالحة السياسية بين حركتي فتح وحماس، والتي تسير كما اتفق عليها، سوى من أمور تم تجاوزها، لقوة إرادة الفعل في الزمان والمكان المحددين.
شعبيا، ووطنيا، مهما كانت منطلقات الموافقة على المصالحة والتمسك بها، فإنه ليس لنا إلا أن نكون معا، حتى لو اختلفنا في أوصاف الطريق؛ لأننا في البداية والنهاية ننشد هدفا نبيلا هو إنهاء الاحتلال، عبر ما يتيسر من إمكانيات الفعل السياسي الوطني والعربي-والإسلامي، الإقليمي والدولي.
أربعة أمور مهمة ينبغي أن يراعيها كل فلسطيني مسؤولا ومواطنا:
- التمسك بأمل قيام دولة فلسطين، دولة مستقلة بغض النظر عن جدلية المواطنة والقومية؛ فنحن شعب عريق لنا الحق بتقرير المصير، وإنشاء دولة.
- التأكيد دوما أن فلسطين محتلة.
- الاشتباك بأنواعه هو مع الاحتلال، ولا يجوز تحويله بيننا، فمهما اختلفنا وتعددنا فكريا وسياسيا، فلا يعني ذلك أبدا أن نتناقض ونتازع ونحترب ونقتسم ووو.
- تنمية الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال؛ وحمل همّ السواعد الشابة التي تنتظر فرص العمل، فماذا نحن صانعون بعشرات الآلاف من خريجي/ات الجامعات والعاطلين عن العمل، عمالا مهرة وغير مهرة؟
في المكان، والزمان سيطول الحديث السياسي ربما عن سرّ التوقيت الآن، وإصرار الأطراف هنا والدول على تحقيقها، عن الهدف؟ وماذا بعد؟ وشيء من هذا القبيل...لكن مهلا لعلنا نفكر قليلا ونشعر بعمق: هي هدف لنا وإن تأخر، والخير فيما يحدث الآن، أما ربط ذلك بالمستقبل السياسي فهو ربط مشروع، ولا ضرر من هذا الربط، ولا خوف أيضا، لأننا أصلا لن ننجح في الاختراق التفاوضي-السياسي ما دمنا متفرقين، لأن ذلك كان وسيظل مبررا للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بعدم الحسم، وتفضيل إدارة النزاع لا حله.
سياسيا، ومع البدء الفعلي في المصالحة، تذكرت ما كان يتم من مفاوضات بين الرئيس وبين رئيس الوزراء في ذلك الوقت ايهود اولمرت؛ حيث كنا نشهد أيضا مسارا تفاوضيا موازيا للأسف بين فتح وحماس، مما منح إسرائيل وقتها-رغم انهما وصلا إلى تفاهمات جيدة- مبررا بعدم جدوى مفاوضتنا، لأننا لسنا معا، وأن هناك طرفا ضد المفاوضات، فلسان الحال الإسرائيلي وقتها يقول: كيف نصالح قوما وهم غير متصالحين؟ وكيف نسالم قوما فريقا منهم غير مسالمين؟
باختصار، نحن لا نتوقع حميمية الساسة والدول، فلكل مصالحه، ونحن لنا أيضا مصلحتنا، فإذا أرادت الأطراف المشجعة، ومن يدعمها دوليا إنجازا سياسيا بملامح معينة، فلها ما تريد، لكن المهم هو أننا يجب أن ندرك ما نريد ونسعى له، ونقدّم استحقاق ذلك من داخل قلوبنا وعقولنا.
لذلك، وحتى نمضي بقوة، لعلنا جميعا نتفق على ما أكد عليه الأخ عزام الأحمد مسؤول ملف المصالحة في لقائه بمجموعة من الزملاء الإعلاميين/ات، ما له علاقة بقطع الطريق على أية مبررات إسرائيلية بعدم جدية التعاطي السياسي في المفاوضات: الحب والسلام قرار وطني وليس فصائليا. أما سلاح المقاومة فمرتبط بالعملية السياسية التفاوضية، لا بعملية المصالحة بلين فتح وحماس.
لذلك فإن الالتزام باتفاق الرابع من ايار 2011، سيجعلنا نسير بنجاح من مرحلة إلى أخرى، تحل فيها القضايا العالقة تدريجيا، ومن ثم يصار إلى هيكلة وتنظيم أجهزة الأمن، والمجلس الوطني والانتخابات وغيرها، كل في أوانه.
وأزعم، ويزعم معي آخرون أنه إذا سلكنا وسرنا، وأنجزنا ما ينبغي أن يكون، مؤكدين على الإبداع والحكم الرشيد، فإننا سنقوي دعم العالم لنا في مسعانا باتجاه الدولة والقدس عاصمة، وحل عادل لقضايا الحل النهائي.
والآن: عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، ألا وهو جهاد النفوس!
وتلك هي مسؤولية الإعلاميين والمثقفين.
- مسؤولية الإعلاميين والمثقفين!
لعل أكثر ما خرجت به من لقاء الأخ عزام الأحمد هو تأكيده على مسؤوليتنا تجاه المصالحة، بالمضي بها إلى ما يجب أن تذهب إليه.
لقد بدا الأخ عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية في حركة فتح متفائلا بل واثقا من نجاح هذه المصالحة، التي سيكون للكلمة فيها دور إيجابي لضمان النجاح.
كنت قد شرعت في كتابة هذا المقال، حين تركته للاستماع للأخ عزام الأحمد، حيث سيجد القراء والقارئات أن الجزء الثاني منه إنما كنت أصلا قد خصصته للحديث عمن يدفع ضريبة النزاعات، وأدوارنا جميعا في العمل لتجنب عودتها من جديد لمشهدنا.
لعل أكثر ما يدفع ضريبة الحروب: الأسرة، الأطفال والمرأة بشكل خاص، وتدخل النزاعات في كل مستوياتها وأشكالها، سواء داخل الأسرة او العائلة الممتدة، أو بين العائلات، أو تلك السياسية أيضا، في مجال التأثير السلبي على الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
لقد دفعت المرأة في قطاع غزة بشكل خاص ضريبة الانقسام، ليس اقتصاديا فقط، بل اجتماعيا وثقافيا وتربويا، حيث أن المنقسمين اصلا ليسوا إلا أبناء بيت واحد وحي واحد ومخيم واحد ومدينة واحدة، لذلك، فإن المرحلة القادمة من المصالحة إن لم تبدأ فورا بإزالة آثار الانقسام، فإن الأجيال الجديدة ستحمل معها هذا الفيروس الخطير.
لذلك، ثم تعاون استراتيجي إنسانيا ووطنيا، يجب أن ينطلق من البيت أولا والمدرسة ثانيا، بحيث تشترك به كل الوزارات والمؤسسات ذات الصلة حكومية وأهلية وغير حكومية، في رأب الصدع، باتجاه لم الشمل، والتنفير ليس من الاختلاف، بل من جعله سببا في الصدام والعنف.
وهنا سنجد المرأة ومعها الرجل، الوالدان والكبار، والمعلمون/ات، ومعهم/ن جيش الاعلاميين/ات، والخطباء والوعاظ، وكل من هو على صلة بالإعلام الجماهيري، معا يدا بيد، باتجاه التطهر والتطهير، مستفيدين من الفن بشكل خاص، الذي ينفر من الشرور، بطريق غير مباشر. ومعنى ذلك، أننا بحاجة للقاء أكثر أهمية من لقاءات الساسة، ألا وهو لقاء المجتمع وتلاقيه، بحيث يصار فورا إلى استئناف ما كان، وذلك بتجاوز ما علق بنا من لحن نشاز على مدار سنوات.
في الوقت نفسه، علينا هنا في قطاع غزة، وفلسطين الحبيبة ان نعيد الامور الى نصيبها من الاعتماد على الذات، بحيث نبدأ من الأسرة، في تعميق التوعية، من داخلنا كأهالي، وداخلنا أيضا كأسر فيها آثار الانقسام، بالتربية على الاحترام والحنان والتسامح. ويكون ذلك من خلال ممارستنا نحن الكبار فعل التسامح، لنكون قدوة للأطفال والفتيان/ات.
التربية على التسامح، والتنشئة على التضامن الإنساني، ينبغي أن يبدأ في البيت والمدرسة؛ فإذا قامت البيوت بذلك، فإننا نتظر دورا مهما لوزارة التربية والتعليم في العمل داخل أسوار المدرسة، مدعومين بغطاء سياسيا متصالحا، بمناهضة أي خطاب فئوي إقصائي.
إن المدرسة هي نتاج ونتيجة ما يضطرب في المجتمع، وعليه، فإن امتلاك المعلمين/ات للمبادرة، في مدارس الحكومة وووكالة الغوث والمدارس الخاصة، سيعني بداية تربوية هامة لفعل التسامح التي تذكرنا بالتطهر والتطهير الكلاسيسكي في عالم الفن.
وهنا لأسباب بنيوية واجتماعية، أزعم أنه سيكون للمرأة الأم والمعلمة والإعلامية الدور الأكثر حيوية في مناهضة ثقافة الانقسام.
وعودة على بدء، فإننا ونحن ندرك بعمق أن المرأة هي الأكثر اكتواء من الحروب والنزاعات، فإننا سنجد أن عملها التربوي والاجتماعي والثقافي سيكون منطلقا من داخلها، من عمقها كمتألمة تطمح للسلام.
لذاك، فبالرغم من أهمية التصالح السياسي؛ فإننا بحاجة لتصالح في كافة مناحي المجتمع، فإن كانت المصالحة السياسية جادة، فإننا سنلحظ يوميا تجليات ذلك في حياتنا الفلسطينية.
سنلحظ يوميا داخل البيوت والأحياء والمدارس تحسن العلاقات الشخصية والاجتماعية، كما سنلحظ تقلص الفجوات النفسية في الشارع والمؤسسات، سنرى الفرح في تزايد والأمل في اضطراد وتسارع لحظي.
لدى المجتمع الكثر ليفعله، وليستأنف ما كان قد همّ به...
إلا نكون حقيقيين/ات من دواخلنا تجاه هذه المصالحة التي طالت وطال الشوق بها إلى درجة اليأس أو الزهد أو الغضب، فسنضيع ربما فرصة ذهبية لاستعادة ليس وحدتنا السياسية بل إنسانيتنا!
- عصا سحرية؟
- هي صدق النوايا..
- وثمار المصالحة؟
- التحرر هل هناك غيره!
- والكلام؟
- لعلنا نكون أكثر دقة في الكلام!
- و.....؟
- هناك مثلي ومثلك من يعتمد على ذكاء الإنسان ومسؤولية الكلمة..
- ووو؟
- لعلنا مرة نتفق على عدم توريث الأجيال القادمة عيوبنا...
تحسين يقين
[email protected]
.