المفاهيم المغلوطة للعمل النقابي تقيد حريته

بقلم: سلامه ابو زعيتر

شاع في وسط العمل النقابي وثقافته الاجتماعية العديد من المغالطات في فهم وتفسير طبيعة النقابة ودورها ومهمتها الوظيفي، وذلك ارتباطا بتدخلات خارجية وفهم مغلوط للدور والمهمة، فاسم نقابة يطلق على العديد من الكيانات، والتي تختلف بالتكوين والهدف والدور والمهام والوظائف، والحقيقة أن مفهوم النقابة العمالية يختلف عن مفهوم النقابة المهنية، وكلاهما يختلف عن مفهوم نقابة أصحاب العمل، والجميع يختلف عن الإطار النقابي في أي تنظيم أو حزب سياسي، ويعود ذلك لتصنفيها المهني وشروط عضويتها وبنيتها الهيكلية، والمرجعية القانونية، فكل جسم نقابي له حاجة وضرورة لوجوده وله دوره لخدمة الاعضاء.

لكن المراقب والمتابع للعمل النقابي يلاحظ خلطا بين مفاهيم وعمل النقابات رغم الاختلاف الواضح بينها في إجراءات التأسيس والأهداف وطبيعة الفئة المستهدفة، وذلك نتيجة جهل البعض في تفسيرهم لمفهوم العمل النقابي ووظيفته، فيخلطون أحيانا بين الدور والمهمة والوسيلة ما بين النقابة العمالية، أو النقابة المهنية، أو الإطار النقابي في أي تنظيم وحزب سياسي، وطبيعة عمل ووظيفة النقابة أو التجمع النقابي أو الاتحاد، أو الائتلاف النقابي....الخ، مما مس بجوهر واستقلالية العمل وحريته النقابية وأحدث حالة من فرض الوصاية والتسلط والشرذمة والارباك والتجاوز للقوانين واللوائح التي تنظم عمل النقابات وعلاقاتها بأعضائها، وأنتج واقع مشوه، وبيئة تنازعيه خلافيه تنافسيه، أضعفت العمل وأفرغته من مضمونه ومبررات وجوده وحاجته لخدمة أعضاؤه والمجتمع، من هنا أود وصف بعض المفاهيم النقابية، وشروط العضوية ومرجعيات لاتخاذ القرار لكل مصطلح ومفهوم نقابي منها، بغرض توضيح محددات المفهوم النقابي لكل جسم وإطار ودوره ومرجعياته، وآليات إتخاذ قراره باختصار لتعزيز الوعي والثقافة النقابية حول العمل النقابي، ووضعه في مساره الصحيح للقيام بواجباته وفق النظام والقانون ومساحات الحريات النقابية ، وسأتحدث عن النقابة العمالية والنقابة المهنية ونقابة أصحاب العمل والاطار النقابي الحزبي بطريقة مختصرة ومكثفة وفق التالي

النقابة العمالية جسم نقابي عمالي جماهيري، وتشكل امتدادا طبيعيا للحركة العمالية الفلسطينية، وتتكون من مجموعة من العمال الذين يعملون في مهنة واحدة أو مهن متماثلة ومتشابهة ومتكاملة ومترابطة بهدف تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم، وتحسين ظروف وشروط عملهم، وحمايتهم من أي استغلال في بيئة العمل، وأحد أهم مميزاتها أنها اختيارية طوعية، ومن شروط عضويتها وجود علاقات العمل، وتصنيف العامل المهني وعلاقته بالمشغل وتقاضيه الأجر منه، وعمله تحت إشرافه، وينظم عملها قانون للتنظيم النقابي، ولوائح داخلية لكل مستوى نقابي فيها من اللجنة العمالية مرورا بنقابة الفرعيةبالمحافظة، والنقابة العامة والوطنية، والاتحاد العام للنقابات، ويتخذ قراراتها في كل مستوى حسب النظام واللوائح، أما في الهيئة العامة أو المجلس الاداري أو التنفيذي ...الخ بشكل ديمقراطي بدون أي تدخل من أي جهة خارجية وبشكل مستقل، ومرجعيتها القواعد العمالية الاعضاء المنتسبين للنقابة، حيث أنهم يعتبرون أعلى سلطة في النقابة كجمعية عمومية ممثلين في مؤتمر النقابة، تبني خطط عملها لما يحقق مصالحهم.

بينما النقابة المهنية تعد جسم نقابي مهني متخصص، ويشكل من أبناء المهنة الواحدة، الذين حصلوا على شهادة مزاولة للمهنة من جهات قانونية، وذلك حسب تخصصهم الأكاديمي والمهني، وعضويتها إجبارية كأساس لمزاولة المهنة، ولا يفرق فيها بين العامل والمشغل لان عضويتها مشروطة بالشهادة والتخصص، وتعمل على تمثيل المهنة والعاملين فيها مهنيا، وتسعى الي النهوض بالمهنة وأبنائها وتطويرها وتنظيم عملها ووضع مدونة سلوك ومعايير تضبط المهنة وعلاقتها بالمجتمع، ويتخذ فيها القرار وفق لوائحها وحسب الفقه والتشريعات القانونية والتجارب العالمية يفترض ان تشكل بقانون لكل مهنة مستقل، ومن نماذجها نقابة المحامين في فلسطين ونقابة الصيادلة، وينظم عملها لائحة داخلية تقر من هيئاتها العمومية وفق القانون، والجمعية العمومية وهى أعلى سلطة لأي نقابة مهنية.

نقابة أصحاب العمل أو اتحادهم، يعتبر تجمع نقابي يضم بعضويته المشغلين، ويتشكل وفق قانون من أصحاب العمل أو مؤسساتهم وفق تصنيف قطاعات الاعمال والانشطة المهنية المتشابهة، ومن المشغلين الذين تربطهم مصالح مهنية واحدة، أو متماثلة أو متشابهة أو متكاملة أو مترابطة، وفق تصنيف النشاط الاقتصادي والمهني لأصحاب العمل، ومن مميزاتها أن عضويتها طوعية واختيارية، وهي الجهة المخولة لتمثيل أصحاب العمل للمهنة أو النشاط الاقتصادي والدفاع عنهم، وفق القانون الناظم لذلك، وينظم عملها نظام داخلي والذي يحدد اليات عملها واتخاذ القرار فيها، وعلاقات الاعضاء وصلاحيات الهيئات والمسئوليات بشكل مستقل، ولا يجاز لأي جهة خارجية التدخل فيها، ويشكل مؤتمرها أعلى سلطة ومرجعية القرارات و يضم الاعضاء المنتسبين للنقابة.

أما بخصوص المفهوم النقابي للاطار النقابي السياسي فهو يمثل اطار حزبي نقابي يتكون بقرار تنظيمي حزبي محاكيا بمسماه الجسم النقابي القائم ومشكل بقانون، بهدف التأطير وتحزيب وتنظيم الفئات والشرائح الاجتماعية من أبناء التنظيم والحزب في أطر وهيئات نقابية حزبية. يستحدثها كل تنظيم سياسي بشكل مستقل لزيادة عضويته واستقطاب عضوية جديدة، من خلال الاتساق مع كل فئة وشريحة اجتماعية وتقديم الرعاية وزيادة الاهتمام والمتابعة لخدمتهم على الارض، وأهم شروط عضويتها أن يكون العضو من أبناء التنظيم أو الحزب، أو يود الانضمام للتنظيم السياسي، ولا يوجد قانون لتكوينها، وانما مرجعيتها النظام الداخلي للحزب والتنظيم السياسي، وينظم عملها نظم داخلية تقرها المرجعيات التنظيمية العليا بما ينسجم مع النظام الاساسي للتنظيم أو الحزب وتتخذ فيها القرارات ذات البعد الحزبي والسياسي، وبما يواءم التنظيم وتوجهاته وأهدافه.

إن الاستعراض السابق لتلك المفاهيم يساعدنا في تحليل الاخطاء الشائعة ويضع أمام القارئ والمهتم معايير ومقاييس ومحدد عام لمفهوم النقابة، يساعد في تحليل الواقع ووقف أي تجاوزات وتداخلات في الصلاحيات والادوار والتنازع في العمل خاصة أن بعض النشطاء النقابيين يجمعون بين العديد من المهمات والتي تختلف فيها الادوار، وخاصة بين دورهم في النقابة ودورهم في التنظيم السياسي، وهنا أحيانا تتداخل الادوار ويصبح حاجة ضرورية للفصل بينها حتى لا يترتب عليها تجاوز قانوني أو تدخل يمس في استقلالية الجسم النقابي، ويضعف قدرة القائد النقابي على التمييز بفهم مهمته النقابية ودور مؤسسته في خدمة الاعضاء، وإدارة العمل وفق اللوائح والنظم الرشدة والتي تساهم في تنظيم العمل وضبطه من أي تدخل أو تنازع في الصلاحيات وميادين العمل والتي تخضع للرقابة والمتابعة من مرجعيات دولية ومحلية تراقب مدى الالتزام بالمعايير والحريات وتنفيذ وتطبيق القانون وتتابع مدي استقلاليته وديمقراطيته وتطبيقه لمعايير الحوكمة الرشيدة.

أخيرا هناك اشكاليات وشرذمة قانونية في الاجراءات لتسجيل تأسيس هذه النقابات وجهات الرقابة والمتابعة لها وطبيعة وشروط عضويتها ارتباطا بالفراغ القانوني والانقسام، واختلاط المفاهيم لذا يعد أدراك مبررات الوجود لأي نقابة والفهم الحقيقي لدورها ووظيفتها ومهمتها وطبيعة عملها ومن تمثل وشروط عضويتها، واليات اتخاذ القرارات فيها ومرجعياتها، الخطوة الاولى لوضع أساس متين للنقابة، يساهم ويساعد في البناء عليه لتقييم الموقف والاداء النقابي وتحديد ميادين العمل، والاشكاليات والقضايا النضالية والمطلبية، وطبيعة الوسائل النضالية واليات العمل المشروعة، كما ويشكل رادعا وسدا منيعا أمام أي محاولات قد تمس بالعمل النقابي واستقلاليته، وما ويساهم في تحرر النقابات من أي محاولا للسيطرة عليها والتسلط وفرض الوصاية أو التحرر من الاذعان لأي مؤثرات خارجية تجهل النظام والقانون، وأهمية الحفاظ على حرية العمل النقابي، لأنها حتما ستؤدي الي مزيد من شرذمة العمل وتشتيته مما يفرغه من مضمونه، ويحوله لجسم بيروقراطي وظيفي غير متجدد يفتقر للأبداع والتطوير، ولا يستطيع أن يكون خلاقا ومبدعا في تحسين وتجويد الخدمات المقدمة للأعضاء بغض النظر عن ميولهم أو اتجاهاتهم السياسية والحزبية.

بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر