الإنسحاب من اليونسكو علامة ضعف وليس قوة

بقلم: مصطفى البرغوثي

ليس غريبا أن تقرر حكومة إسرائيل الإنسحاب من منظمة اليونسكو بعد أن تكرر فشلها الدبلوماسي في حجب الأصوات عن مساندة القرارات المناصرة للعدالة وللحقوق الفلسطينية .

لكن المثير للإستغراب أن تقدم حكومة الولايات المتحدة الأميركية على أمر كهذا، وكأنها تفضل المصالح الإسرائيلية على مصالح شعبها.

الخطوة  الأميركية تغذي مرة أخرى القناعة بأن إسرائيل تدير سياسة الولايات المتحدة ليس فقط في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط، بل وبكل محافل الأمم المتحدة الدولية.

كما أنها تؤكد إستحالة أن تقوم الولايات المتحدة بدور الوسيط في ما يسمى " بعملية السلام" وهي على هذه الدرجة من الإنحياز المطلق لإسرائيل وسياساتها .

و بالتأكيد فان الخطوة الأميركية لا تليق بما يجب أن يكون عليه سلوك دولة عظمى، و إن كانت تنسجم مع السلوك غير المتزن بمساعي الإدارة لالغاء نظام الرعاية الصحية لملايين الأميركيين، و للتنصل من الاتفاق الدولي مع ايران حول الطاقة النووية.

ومن الفظيع أن تصل الأمور الى حد وصف منظمة ثقافية وفكرية محترمة كمنظمة اليونسكو بأنها "معادية للسامية "، بعد أن أصبح الإدعاء " بمعاداة السامية" الفزاعة التي تستخدم لإرهاب كل من يناصر الحق والعدالة وحقوق الشعب الفلسطيني، الرازح تحت الإحتلال ونظام الإبارتهايد العنصري .

وإذا كان من السخافة بمكان ، وصف الفلسطينيين والعرب بمعاداة السامية، وهم أنفسهم من أصول سامية، فإن الإفراط الإسرائيلي في إستخدام هذه الفزاعة التي تمثل نوعا من الإرهاب الفكري، يخلق آثارا عكسية على المستوى الدولي تجاه إسرائيل.

ومثلما لا يجوز التهاون في التصدي لخروقات إسرائيل للقانون الدولي، بما في ذلك ما تمارسه من إحتلال وقمع وتنكيل بالشعب الفلسطيني ، فإن المؤسسات الدولية والأحزاب والدول مطالبة  بعدم الرضوخ للإرهاب الفكري الذي تمارسه حكومة إسرائيل وأحد أشكاله الهجوم على حركة المقاطعة وفرض العقوبات من خلال محاولة وصمها "باللاسامية" ، رغم إنها تمثل شكلا سلميا تماما من أشكال النضال في وجه الظلم والإضطهاد والتمييز.

لقد تباهى نتنياهو بقدراته الدبلوماسية على تغيير مواقف الدول المؤيدة لفلسطين، وبالغ في نجاحاته في تمرير التطبيع على حساب القضية الفلسطينية ، ولكن قراره الإنسحاب من اليونسكو قد كشف وعرى ضعف الموقف الإسرائيلي ومثل علامة ضعف وليس قوة ، لأنه سيفسر في نهاية الأمر على أنه إنتصار لفلسطين التي طردت إسرائيل من اليونسكو .

وفي نهاية المطاف ، فإن ذلك قد أثبت القوة الكامنة التي يمتلكها الفلسطينيون إن واصلوا هجومهم الدبلوماسي في كافة مؤسسات الأمم المتحدة وباقي المؤسسات الدولية.

و اذا كانت إسرائيل إستطاعت أن تجر الولايات المتحدة للإنسحاب من منظمة اليونسكو ، فإن الإدارة الأميركية ستفكر ألف مرة في عواقب عمل كهذا إن وصلت المعركة الدبلوماسية إلى أروقة منظمة الصحة العالمية، أو منظمة الغذاء العالمي، أو الملكية الفكرية.

فالإنسحاب من هذه المنظمات ستكون له تكاليف باهظة وآثار خطيرة على امتداد العالم.
قد يكون الشعب الفلسطيني صغيرا نسبيا من حيث عدد أفراده، ومساحة وطنه، ولكن هذه الأحداث  أثبتت أنه كبير جدا بعدالة قضيته، وبسالة نضاله، وشدة عزيمته في الدفاع عن حقوقه.

 

بقلم د. مصطفى البرغوثي

الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية