يتميز الدكتور رامي الحمد الله، رئيس وزرائنا، بالهدوء والثبات، يتميز بذلك الاستقرار الذي يناسب بناء المؤسسة والحفاظ على تقاليدها وقدرتها على تطوير تجربتها ومراكمتها.
رئيس وزرائنا من النوع الذي لا يفاجئك، لا بنوبة غضب أو مزاج أو أهواء، إنه من ذلك النوع الذي يؤمن بالوثيقة والتوثيق، والحوار المعمق والمداولة، وإعادة المداولة.
يمكن القول إذن، إن الدكتور الحمد الله رجل دولة من ذلك النوع الذي تطمئن إليه، فهو لا يريد أن يدخل معك في منافسة أو جدال أو مناددة، بل ينقلك بسرعة إلى القوانين وتفرعاتها واستثناءاتها، وهو بذلك ينسجم مع نفسه، باعتباره رجل الإدارة بامتياز.
إن رجلاً ومسؤولاً مثل الدكتور الحمد الله، يقف على رأس حكومة وفاق وطني، يجد نفسه أمام الكثير من الأسئلة والأوضاع المتناقضة والمركبة، فكيف لرجل مثله أن يضبط إيقاع حكومة تمشي على حد السكين، يحشرها الواقع في الزاوية، ويضغط عليها الممول والفصيل والنقابة والشارع، وكيف لحكومة مثل حكومته أن تنقل الشعب والأرض من حالة إلى حالة دون المرور
بالكثير من الاختناقات والارباكات، وكيف لرجل مثله أن يقارب انقساماً مريراً لم يشارك به أو يكن أحد رموزه أو شخصياته.
رئيس وزرائنا، ذهب بكل ذلك إلى غزة، ليكون بذلك الشخصية الفلسطينية التي يطلب منها أن تنسج بإبرة التفهم والصبر والحكمة، ثوب المصالحة المهلهل، ويطلب منه أن يملأ الفراغات ويسد الذرائع، وأن يجفف بحيرة الشك والارتياب التي تم حفرها خلال عشر سنوات من الانقسام.
مهمة رئيس وزرائنا صعبة وثقيلة، فهذه عشر سنوات من التجارب والذكريات والاستجابات المختلفة، وهي مهمة صعبة بسبب الجغرافيا الممزقة والأطراف والأحلاف المتباعدة، وبسبب الأجندات والنفوس والمصالح والارتباطات.
ولأن المهمة ثقيلة، فإن الدكتور الحمد الله هو المؤهل أن يقوم بترجمة المصالح إلى أفعال وإجراءات وأجندات وخطط عمل، صحيح أنه بحاجة إلى تفويض من القيادة السياسية، وصحيح أنه بحاجة أضواء خضراء كثيرة، ولكن الرئيس أبو مازن كان واضحاً وصريحاً وجاداً في قراره ومباركته لإجراء المصالحة، وهو بذلك يرمي كرة التنفيذ إلى أيدي الدكتور الحمد الله، وأعود إلى ما أقول بكثير من الدقة والوضوح، فالدكتور رامي هو المؤهل لأن يقود أخطر وأعقد المهمات في حياته العامة، ألا وهي تنفيذ المصالحة وتسهيل تطبيقها وإنفاذها، دون أن تصطدم بالعقبات الكثيرة والمفاجئة.
فالدكتور الحمد الله رجل الإنجازات الكثيرة الصامتة، والشخصية التي لا تشكل أو تمثل أجندة أو قطباً أو "أميراً" سوى خدمة المواطن، والدكتور الحمد الله رجل الدولة، أو رجل المؤسسة، فهو ليس مختطفاً أو مرتهناً.
ورغم أنه ذو انتماء فصائلي، إلا أنه استطاع وبذكاء اجتماعي وسياسي لافت، أن يخفي فصائليته لحساب مهنيته ووطنيته، وهو على مسافة واحدة من التكتلات أو الأحلاف أو الأفكار أو حتى الشخصيات.
لماذا نقول ذلك كله؟ نقول ذلك حتى نلقي أمام الدكتور الحمد الله أبنائنا ورغباتنا بأن يبادر إلى الذهاب إلى قطاع غزة مع أعضاء حكومته وطواقمه، لتفسير المصالحة إلى إجراءات، وتحويل
حسن النوايا إلى خطط، ونقل المكتوب على الورق إلى سلوك يومي، فلا داعي للتأخير، ولا داعي للانتظار.
الدكتور الحمد الله مخول بقرار من الرئيس محمود عباس أن يترجم المصالحة إلى أشغال وزارية وأعمال إدارية وخطط عملية.
إنها لحظة تاريخية يا دكتور رامي، لحظة لابد من استغلالها حتى النهاية، فأنت – بهدوئك وحكمتك وخبرتك – تستطيع أن تتقدم إلى الأمام، وأن تنفذ رغبة الرئيس محمود عباس ورغبة الفصائل ورغبة الجمهور كله، في أن تُحوّل المأمول إلى ملموس، وتحول الأماني إلى أفعال.
أنت اليوم تقود – مزوداً بتعليمات ورؤية الرئيس أبو مازن – الإنجاز الكبير الذي سيسجل لهذه القيادة بأحرف من نور، وهذا ما ينتظره منك شعبك، وخاصة شعبنا في قطاع غزة، وسيسجل لك وفي تاريخك، بأنك ساهمت في طي صفحة الانقسام، وستبقى تذكرك بالخير.
اللواء د. محمد المصري
16/10/2017