تثير الاحكام الصادرة عن المنشَد العشائري، أعلى سلطة في القضاء العشائري، في قضية مقتل المغدورة نفين العواودة مسألة صاحب الحكم في البلاد أو من له العلوية؛ الدولة أم العشائر، القضاء النظامي أم القضاء العشائري. ألا يشبه ذلك أيضا القبول بقوة مسلحة خارجة عن الدولة صاحبة الحق الحصري باستخدام القوة الشرعية.
مبدئيا؛ يخالف القضاء العشائري في حد ذاته، الذي يفرض عقوبات متعددة، قواعد دستورية نظّمتها أحكام المادة 15 من القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية تتمثل؛ بأن العقوبة شخصية أولا، ومنع العقوبات الجماعية ثانيا، وأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني ثالثا، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي رابعا.
تتجاوز العقوبة الصادرة عن القضاء العشائري، في الاغلب الاعم، العقاب الشخصي لمرتكب الجريمة لتطال أهله أو ضمان أهله لدفع "الغرامات" والالتزامات المختلفة ناهيك عن ترحيل الأسرة والعائلة الكبيرة لمرتكب الجريمة وهي عقوبات جماعية تعد خرقا فاضحا للقاعدتين الأولى والثانية المنصوص عليها في المادة 15 من قانون الأساسي. كما أن القضاء العشائري يخرق القاعدة الثالثة التي تنص على أنه " لا عقوبة الا بنص قانوني" عند فرضه عقوبات لا تستند الى قانون صادر عن الدولة وفقط تستند الى الأعراف العشائرية. وكذلك يتجاوز القضاء العشائري القاعدة الرابعة التي تنص على أن القضاء النظامي هو صاحب الاختصاص الأصيل بفرض العقوبات.
فيما يفرض القضاء العشائري على مؤسسات الدولة تطبيق بعض احكام، ليصبح بذلك فوق الدولة. فعلى سبيل المثال فقد فرض في الحكم الصادر بقضية المغدورة نفين عواودة على مؤسسات الدولة "أو أهمها المحاكم" عدم قبول شهادة للمتهم "الجاني". وأصدر احكاما ملزمة بالإبعاد "للقاتل" عن مكان سكنه مدة خمسة عشر عاما في حال عدم سجنه، وكأنها تضع في فم القضاة مدة الحكم. ناهيك عن أنها جرمته قبل أن يصدر قرار الإدانة من المحكمة المختصة. ناهيك عن إصداره بعض الاحكام غير المنطقية أو لا تنسجم مع طبيعة المجتمع الفلسطيني المعاصر كمنع الجاني لباس العقال (باعتباره يرمز للشرف) طيلة عمره فكم من المواطنين يلبس العقال في البلاد!.
فالأمن والقضاء يعدان وجها العملة لمفهوم الدولة وجوهرها، ويعد التخلي عن أحدهما تخلي عن جوهر الدولة الحامية للأمن الشخصي والضامنة للعدالة في كنفها. فلا تستقيم الدولة دون كلاهما، وان التفويض أو التفويت بأحدهما لأي جهة قضاءٌ على الأخرى، فلا تستقيم العدالة دون الحفاظ على الامن والعكس بالعكس.
أي بمعنى آخر يشبه القضاء العشائري، على الرغم من لجوء واسع له من قبل المواطنين بديلا عن المحاكم النظامية، التفويت للمجموعات المسلحة لفرض النظام بغض النظر عن طبيعة هذه المجموعات سواء كانت تابعة لأشخاص أو مجموعات أو تنظيمات وكلاهما لا تفقد الدولة جوهرها المتمثل بالعدل والأمن بل أيضا تخرق الدولة سيادتها وقواعدها، وتحيل المواطنين إلى رَبْعٍ ورعايا، والبلاد الى ما قبل الدولة أو في أقلها تضع أوصياء عليها أو فوقها.
جهاد حرب