زارني الليلة في منامي وحلمي أخي الأديب المتثاقف المرحوم نواف عيد حسن ، فقمت واعددت له فنجاناً من الشاي والميرامية اعتاد أن يشربه في ليالي الصيف على ضوء القمر على ساحة بيتي ، فحدثني قائلاً : منذ اربعة عشر عاماً ونيف غادرت الحياة الى دنيا وعالم الخلود بعد ان اصابني نزيف دماغي حاد ، وطوال هذه السنوات كنت بمفردي ، لا صديق ، ولا أنيس ، ولا مثقف أفهم عليه ويفهم علي ، فجيراني تحت التراب بعيدون عن عالم الثقافة والأدب ولا يعرفون من هي " عناة " ولا " كنعان " سوى ابن عمي محمد طه حسن ، الذي دفنوه بعيداً عني ، وهو الذواقة وعاشق لغة الصاد الذي لو اكمل دربه في عالم الكتابة لكان له شأن كبير في هذا الميدان ، حيث كان قاصاً مجيداً ، وبذلك بقيت وحيداً اندب حظي ، انتظر احداً من رفاق الدرب الذين كانوا شركاء لي في الهم والقلق والمعاناة الوجودية ، وكم غمرتني السعادة حين علمت بقدوم صديقي وحبيبي الشاعر والمفكر أحمد حسين " أبو شادي " آخر الكنعانيين ، الذي كنت ادرك وافهم معنى ومغزى قصيدته أكثر منه على حد قوله ، فحكى لي عن داعش والحب الدمشقي وانتصار سوريا على اعدائها الاشرار ، وعن الدحية واختفاء الديراوية التي كنت اطرب لها ويتراقص قلبي مع نغماتها ، وعن توقف " الآداب " اللبنانية عن الصدرر ، التي كنت من قرائها المثابرين والباحثين عن اعدادها وممن حظيوا بمجلداتها في مكتباتهم ، وابلغني ان ابنائي تبرعوا بمكتبتي الثرية والغنية بالعناوين والمؤلفات والمطبوعات النادرة لمكتبة كلية القاسمي في باقة الغربية ، وحدثني ايضاً عن أهل بلدي وعن أصدقائي ممن بقيوا على قيد الحياة ، وقال أن صديقك الأكثر وفاءً ومحبة والأقرب الى روحك الشاعر سعود الاسدي أصابه ما أصابني من جلطة دماغية ، شلت قدراتنا على المشي ، ومنعته من التجوال والسوح بين الغابات في صفورية بحثاً عن نبتة " الهليون " ، ولم يشفع له ولم يسعفه أنه يتناول الثوم كأكثر شخص في البلاد . وقد حملني سلامه وعبر له عن شوقه لي ، واعطاه مجموعة كتبه التي اصدرها في الأعوام الأخيرة ، وباقة من اشعاره الغزلية الوجدانية الفاتنة ، وقصائده الرعوية الجميلة التي لم يتسن لي ان اطلع عليها قبل النشر وابداء رأيي فيها ، لعلي اجد فيها متنفساً في وحدتي ، واعطاه أمانة كبيرة وهي اسطوانات موتسارت وبيتهوفن التي طالما استمعنا اليها كثيراً ، وقرأ أمامي قصيدته التي رثاني فيها يوم رحيلي ، فيا لفرحي وسعادتي بقدوم صديقي " أبو شادي " ، وما كان منه الا أن ودعني وعاد الى صومعته تحت التراب .
بقلم/ شاكر حسن