عن ترتيب البيت الفلسطيني عن الثوابت الوطنية

بقلم: معتصم حمادة

لا معنى للثوابت الوطنية ولترتيب البيت الفلسطيني خارج البرنامج الوطني الموحد ومبدأ الشراكة الوطنية

■ مع كل جولة حوار وطني تدعى لها الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني، تتصاعد الأصوات الداعية إلى ما تسميه التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية. أصوات من داخل معسكر أوسلو، وأصوات من خارجه، بغض النظر عن الخلفية السياسية والفكرية لكل طرف، وبالتالي، وعند الدخول في التفاصيل، يبدو جلياً أن الثوابت الوطنية الفلسطينية ليست واحدة عند الجميع، وأن كل طرف ينظر إليها من زاويته الخاصة به.

كذلك ترتفع الأصوات الداعية إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وعند الدخول في التفاصيل، في هذا المضمار، أيضاً تتبدى الفروق واضحة بين الرؤى لكيفية إعادة ترتيب هذا البيت.

والقضيتان، برأينا، قضيتان سياستان من الطراز الأول، تتعلقان، بشكل وثيق، بل تلخصان بشكل واضح وصريح قضية: أي برنامج وطني نريد. فالثوابت هي العناوين الثابتة والدائمة للبرنامج الوطني، برنامج التحرر من الإحتلال والإستيطان وإنجاز الحقوق الوطنية المشروعة كاملة. وترتيب البيت الفلسطيني، ما هو إلا ضرورة تنظيمية لإنجاز هذه الحقوق. وعلى قاعدة التوافق على هذه الحقوق، يكون بناء البيت الفلسطيني. فالبيت، هنا، ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو يهدف إلى توحيد الجهود الوطنية الفلسطينية في إطار معركة التحرر من الإحتلال والإستيطان وإنجاز الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين.

* * *

وحتى لا نتوه كثيراً، فإن البرنامج الوطني هو الذي يوحد الشعب الفلسطيني ويوحد حقوقه، في مناطق تواجده كافة:

• في مناطق الـ48، في قلب الكيان الصهيوني، حيث المعركة تدور ضد سياسات منظومة القوانين الصهيونية العنصرية، ولصالح الحقوق في المساواة في المواطنة مع صون الحقوق القومية السياسية والثقافية وسواها للفلسطينيين العرب، على طريق تفكيك هذه المنظومة الصهيونية، وتفكيك إداراتها، في إطار النضال من أجل الحل الوطني الناجز للمسألة الفلسطينية وقيام الدولة المدنية الديمقراطية في فلسطين، على قاعدة المساواة في المواطنة، والعدالة الإجتماعية.

• وفي القدس والضفة والقطاع، التحرر من الإحتلال والإستيطان، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، بحدود 4 حزيران 1967.

• أما في الشتات والمهاجر، ومناطق اللجوء كمخيمات الضفة والقطاع وغيرها، فالنضال من أجل حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجر منها اللاجئون منذ العام 1948، والتعويض عما لحق بهم من ضرر مادي ومعنوي خلال سنوات التهجير الظالم.

كل ذلك في سياق حق تقرير المصير في إطار الحل الوطني الناجز للمسألة الفلسطينية، كما أشرنا إليه سابقاً، والذي يصون الشخصية الوطنية للشعب الفلسطيني وكيانيته السياسية فوق أرض وطنه كاملة.

وإن كنا لم نقدم جديداً في هذا العرض، فإن أهمية هذا العرض أن يكون رداً على الدعوات التي بدأت تصدر لصالح ما تسميه حواراً من أجل برنامج فلسطيني جديد، متجاهلة أن البرنامج الوطني الذي أشرنا إلى بنوده العامة، ليس مجرد أفكار تمت صياغتها، بل هو ثمرة نضالات وتضحيات قدمها الشعب الفلسطيني، مكنته، بقيادة قواه السياسية المؤتلفة في م.ت.ف، من إستعادة شخصيته الوطنية، وإستعادة موقعة بين باقي الشعوب، وإعادة تقديم قضيته بإعتبارها قضية تحرر وطني لشعب مكافح من أجل الحرية وتقرير المصير، وليس مجرد لاجئين. كذلك ما كان لهذا البرنامج أن يتطور، بأفكاره وتوجهاته، وآلياته، لولا أنه شق طريقه، وشكل عنواناً للشعب الفلسطيني، ولولا أنه راكم إنتصارات سياسية ودبلوماسية وقانونية وأخلاقية، وإنتصارات عسكرية قدم فيها تضحيات غالية. وبالتالي فإن أي إفتراض بضرورة طي صفحة هذه البرنامج، بإدعاء أن الوقائع تجاوزته، ما هو إلا تجاهل لحقيقة هذه الوقائع، وكيفية التصدي لها. ولعله من أخطر الأمور أن يتم العبث بالبرامج الوطنية، تحت مسمى التجديد، في الوقت الذي يكون فيه التجديد مجرد عبث ومضيعة للوقت، وتضييع للبوصلة. ولعل عودة منا جميعاً إلى وثيقة الوفاق الوطني (2006) التي رسمت آليات وأساليب النضال لإنجاز المشروع الوطني ببرنامجه الموحد، تتيح لنا أن نستعيد الكثير من التوجهات التي تراجعت إلى الوراء بسبب سياسة الإنقسام التي أوقعت الحالة الفلسطينية في مأزق سياسي خطير، وبسبب سياسة فريق أوسلو، التي عطلت على المسار الوطني سنوات من عمر الشعب في رهان فاشل على المشاريع الأميركية المفلسة.

* * *

أما ترتيب البيت الفلسطيني، فأساسه الوحدة الوطنية القائمة على وحدة البرنامج ومبدأ الشراكة الوطنية، عبر مؤسسات يتم تشكيلها بالإنتخاب الحر والنزيه وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، مع تمكين موقع الشباب والمرأة في لوائحها المغلقة.

وخارج إطار البرنامج الوطني، فلامعنى لترتيب البيت الفلسطيني، ولا معنى لمسألة الوحدة الوطنية. فالوحدة الوطنية ليست هدفاُ بحد ذاته، بل هي ضرورة تنظيمية لتوحيد الشعب الفلسطيني، بكل فئاته، وتجمعاته، وقواه السياسية، حول البرنامج الوطني. وقد أثبتت التجربة أن برنامج أوسلو شقق وفتت وهدد وحدة الشعب وقواه السياسية. وأن البرامج التي رسمت على يمين البرنامج الوطني، ويساره، فشلت في إستقطاب الحالة الشعبية الفلسطينية وشق طريقها، لذلك أعلنت إستقالتها السياسية وعادت إلى أحضان البرنامج الوطني، ومن لم يفعل ذلك بقي على هامش الحالة الفلسطينية وحراكها السياسي.

والمعنى الأسمى لموضوع ترتيب البيت الفلسطيني هو الإتفاق على البرنامج الموحد. لذلك، مرة أخرى، من المفيد التذكير أن وثيقة الوفاق الوطني، هي التي نجحت في إجتذاب القوى الفلسطينية كافة، ومؤسسات المجتمع المدني، والشخصيات الوطنية، والمؤسسات الرسمية في السلطة وفي م.ت.ف، إلى وحدة الموقف السياسي ووحدة البرنامج ووحدة الرؤية في كيفية النضال ليشق هذا البرنامج طريقه نحو التنفيذ، ونحو تحقيق الحقوق

الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. كما أثبتت التجربة أن كل الذين انقلبوا على هذا البرنامج، وكل الذين انقلبوا على هذه الوثيقة، اصطدموا بالفشل، وعادوا إليها بإعتبارها خشبة الإنقاذ الوطني.

وإلا كيف نفسر الوثيقة السياسية الأخيرة لحركة حماس، التي أعلنها خالد مشعل في نيسان (إبريل) الماضي قبل أن يغادر منصبه على رأس الحركة. وكيف نفسر قرارات المجلس المركزي في 5/3/2015، التي شكلت تراجعاً عن إلتزامات إتفاق أوسلو وعودة إلى البرنامج الوطني وكيف نفسر قرارات وبيان اللجنة التنفيذية في 21/7و12/8/2017 في إطار معركة الدفاع عن القدس والأقصى، وكيف نفسر قرارات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في 10-11/1/2017، والتي شارك فيها الطيف الفلسطيني كله؟.

خلاصة القول إن البرنامج الوطني الموحد، برنامج المقاومة وتدويل القضية والحقوق الوطنية هو الضامن للثوابت الوطنية.

وإن البرنامج الوطني الموحد، هو أساس إعادة ترتيب البيت الفلسطيني في إطار من الوحدة الوطنية القائمة على مبدأ الشراكة الوطنية.

بقلم/ معتصم حمادة