مأزق التيار القطري في موضوع المصالحة، الرجوب نموذجاً

بقلم: محمد أبو مهادي

كنت من الحريصين على متابعة كل ما يصدر عن السيد جبريل الرجوب من مواقف، كمراقب للحالة السياسية الفلسطينية، ومطل على بعض تفاصيلها ومتناقضاتها، أكثر من عشر سنوات مليئة بالمتناقضات أرهقت الشعب الفلسطيني ووضعته في عهد الضباب، بصعوبة تكاد الناس تتلمس موقفاً وتثق به، لدرجة الشك الكبير في مسلكيات معظم قيادات العمل السياسي الفلسطيني.

كنت أبحث عن موقف لإثنين من قيادات العمل السياسي الفلسطيني بعد توقيع اتفاق المصالحة الأخير في القاهرة، الأول هو السيد خالد مشعل الرئيس السابق لحركة حماس، ولم أجد له أي موقف بشأن ما جرى وان كانت بصماته مطبوعة على مواقف بعض قيادات حماس السلبية من الإتفاق، والثاني للسيد جبريل الرجوب الذي أطلق بعض التصريحات التي تبدو في ظاهرها موقفاً مسانداً للإتفاق وفي تفاصيلها يضع العراقيل التي ستنسف فكرة الإتفاق لو حظي موقفه بآذان صاغية داخل حركة فتح وكان أكثر وضوحاً في طرحها، آخر تلك المواقف كان ما صرّح به لوكالة الأناضول في الرابع من اكتوبر الحالي ونشرت في القدس العربي حيث تحدث عن خارطة طريق لتطبيق اتفاق المصالحة وحد ثلاث خطوات من بينها توحيد سلاح السلطة، في إشارة واضحة منه على قضية جمع سلاح حماس وتفكيك جهازها العسكري، الامر الذي لم يطرح في أيّ مرحلة من مراحل حوارات المصالحة التي جرت في القاهرة، وفي كل الجولات التي جرت سابقا في الدوحة والتي كان الرجوب احد المتحاورين فيها ضمن وفد حركة فتح، واستكمل الرجوب بقية حديثه الصحفي في الحديث عن المقاومة السلمية دون ان يشرح حدود العنف أو السلم في تلك المقاومة ليأخذنا من جديد الى ما قاله في احد اللقاءات مع فضائية اسرائيلية عن " مقاومة الشورتات".

فكرة جمع السلاح كانت بالأصل مطلباً اسرائيلياً متكرراً منذ زمن الشهيد ياسر عرفات، الغرض منه ادخال الفلسطينيين في متاهة الإقتتال الداخلي، رفضها ابو عمار لسببين، أولهما أنه يؤمن بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال بالشكل الذي يراه الشعب مناسباً، وثانيهما رفضه تحويل الموضوع الوطني الفلسطيني إلى مجرد حالة أمنية تخضع لإملاءات الإحتلال الإسرائيلي، لقد كان احد اسباب اغتيال أبو عمار موقفه الداعم للمقاومة، ويسجل له التاريخ اصدراره أمراً بالتصدي عسكرياً لقوات الإحتلال عدة مرات خلال هبّة النفق في ايلول 2006 وخلال عملية السور الواقي في آذار 2002، وغير خاف على أحد قضية "سفينة كارين ايه" التي كان الشهيد ياسر عرفات يعلم بها، وعدد من قيادات حركة فتح، وقام بدعم تشكيل كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح، تكريساً لموقفه المؤمن منه بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال والتصدي لمستوطنيه.

المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جرينبلات قبل أيام تبنى نفس المطلب الإسرائيلي لتقوية مفعول اللغم الذي يعترض طريق المصالحة بعد ان اصبح مطلباً من فريق رئيس السلطة محمود عباس نادى به السيد الرجوب وعدد من اعضاء الفريق، وجميعهم يدركون أن مسألتان لا يمكن لحركة حماس المفاوضة عليهما، وهما السلاح والموظفين، وكلا المسألتين لم يكونا خاضعتين للنقاش الفلسطيني طول الوقت، مما يفسر الغاية من وضعهما الآن بعد توقيع اتفاق القاهرة، فما زالت نفس الجهود التي بذلت لتعطيل تفاهمات حماس مع التيار الإصلاحي في فتح، هي نفسها متواصلة كي تعطل اتفاق مصالحة شاملة برعاية القاهرة، لكن هذه المرة بإستقواء من الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية ورعاية قطرية ما زالت تعبث في الساحة الفلسطينية لتتسبب بإحراج للموقف المصري على الأقل ان لم تؤدي إلى نسف ما اتفق عليه.

الإنقسام الفلسطيني أنتج شريحة خطرة على مستقبل الشعب، تتقاطع فيها مصالح كثيرة لدول واحزاب وتيارات داخل الأحزاب وشخصيات استفادت وتبوأت مواقع قيادية داخل هذه الأحزاب، لو لم يكن انقسام لما نظم مؤتمر المقاطعة الذي افرز قيادة لحركة فتح بهذا الشكل، ولم يكن السيد الرجوب وفريق عباس أن يستفردوا في تقرير مصير الناس والعبث بقضيتهم وقوت يومهم بهذا المستوى من الإجرام، في ظل وحدة النظام السياسي للشعب الفلسطيني ومواصلته للعملية الديمقراطية، ولم يكن بمقدور الرجوب أن يعلن مواقف مخالفة لإرادة الشعب ومصالحه بهذا الشكل الذي أثار حفيظة الدول العربية منذ أن اعلن موقفاً ضد ترشيح الأمير على لرئاسة "الفيفيا" لصالح الفاسد "بلاتر" مرورا بهجومه على دول الرباعية العربية التي اطلقت مبادرة في سبتمر 2016 لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وموقفه من حائط البراق الذي حاول فيه استرضاء الإحتلال الإسرائيلي انتهاءا بموقفه من اتفاق المصالحة الوطنية الذي ترعاه القاهرة.

اللافت في الأمر أن كل المواقف التي يعلن عنها اللواء جبريل الرجوب تكاد أن تكون متطابقة مع معظم أعضاء فريق رئيس السلطة محمود عباس، وتنسجم مع الموقف الإسرائيلي والقطري إلى حد كبير، ولا تجد معارضة في أوساط أيّ من القيادة الرسمية لحركة فتح التي أنتجها مؤتمر المقاطعة، وهذا مؤشر خطير يكشف طبيعة مسارها وحجم الفجوة التي تفصلها عن موقف الشعب الفلسطيني والموقف التاريخي لحركة فتح التي كانت تسعى باستمرار لحشد التضامن العربي مع الفلسطينيين وتتجنب كل قضية خلافية قد تحدث ضعفاً في مستوى هذا التضامن!

وحدة الموقف الفلسطيني ونظامه السياسي كان أحد اسباب قوته حتى في ظل التباين البرامجي بين الفصائل والأحزاب، وكان يستفاد من التباين لصالح برنامج الإجماع الوطني، وكان محفّزاً للشعب كي يواصل طريق خلاصه من الإحتلال والإستيطان، ويستمر في احتضان حلم الدولة والعودة، هذه الوحدة انتهت بعد الإنقسام لصالح الإحتلال اولاً الذي واصل جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ولصالح شريحة ترعرت في احشاء السلطة الفلسطينية وحركتي فتح وحماس قوضت النظام السياسي الفلسطيني واضعفت مشروعه الوطني واساءت للعلاقات الفلسطينية العربية لها مرجعية أصبحت أكثر وضوحاً مع قطر وأمريكا واسرائيل، وتخشي من مواجهة الشعب في أقرب عملية انتخابية ديمقراطية قد تحدث اذا ما انجز اتفاق المصالحة الشاملة.

التصدي بقوة لمحاولات التيار القطري في الساحة الفلسطينية إفشال المصالحة مهمة ماثلة أمام كل الوطنيين الفلسطينيين، فممثلي هذا التيار بمن فيهم السيد جبريل الرجوب أصبحوا أكثر انكشافاً أمام الرأي العام الفلسطيني، وأمام الدول العربية، هم فريق يمارس كل ما فعل استقواءاً بأجهزة أمنية لم تعد توفر حماية للشعب الفلسطيني واكتفت بمهمة حماية هذه التيار ومصالحه السياسية والإقتصادية، ويستظل بالموقفين الإسرائيلي والأمريكي كفزاعة تشهر في وجه الفلسطينيين والدول العربية، والتصدي هنا باستمرار الهجوم نحو اتفاق المصالحة لاخراجه إلى حيّز النور رغم كل الألغام التي توضع في طريق انفاذه، في نفس الوقت تفعيل موقف شعبي مساند للعمل النخبوي الحزبي كأحد المرتكزات التي تدفع نحو عملية المصالحة الشاملة واستعادة كافة حقوق الفلسطينيين وانهاء العقوبات الجماعية المفروضة على قطاع غزة من السلطة الفلسطينية واسرائيل.

بقلم/ محمد أبو مهادي