سنحاكم بلفور والوعد

بقلم: محمد أبو مهادي

هل تعلم يا بلفور أن ولدي سلام عرف منذ أن تعلم الكلام إسم "بيت طيما"، قريته التي طرد منها الأجداد، حفظ الإسم والوصف قبل أن يسير وحده في شوارع مخيم جباليا ويتعرف إلى جغرافيا المخيم، وأن توأمه راما سألتني عن مساحة البيت والأرض ونوع الشجر، وطلبت منّي أن اصنع لها أرجوحة مربوطة بين جذعي شجرتي التين والزيتون، تغفو عليها بعد أن تطعم العصافير.
سأقول لك أن أوراق "الطابو" قد خبأتها جدتي مريم في عبّها ونسيت ان تأخذ معها في درب هجرتها الطعام، وحفظت التاريخ والقصص والأساطير، هي لا تجيد الكتابة والقراءة، لكنّها تتقن الرواية واعادة بعث الذكريات، ماتت وهي تحلم بأن تدفن هناك، حيث الطفولة والشباب وموسم الحصاد.
كانت تحفظ حدود الأرض وعدد الشجر، لم تمتلك ساعة لمعرفة الوقت لكنها تقدّر المسافة ما بين البيت والبئر تماماً كما عرفت أن السماء ستمطر في ذاك اليوم دون أن تسمع نشرة الأرصاد الجوّية، وكانت تحفظ أسماء النجوم والأغنيات وتراقب القمر، تهزّ "سقى الحليب" بيد وفي الأخرى ترضع والدي وتعلمه نظم الكلام.
يا بلفور، منحت اليهود بيتنا وأرضنا ونسيت أن الجهل والفقر والأمية وقوة القهر والسلاح التي صنعتها في وطننا لا يمكنها أن تشطب الأحلام والذكريات.
للأحلام حرّاس وللأشجار جذور، الجذور في وعينا ودمنا، لا يمكن أن تفترسها جرّافة مستوطن بأنيابها، لا تقتل الأحلام بمجزرة، على ضوء سراج نحلم، وفي العتمة نلتصق بالحلم أكثر، وفي المنافي واللجوء لا نحلم بالعودة إلى المخيم، بل نحب البلاد أكثر، نتعلق بحروف قصيدة لمحمود درويش، ونسافر على متن كوفية لننثر الورود على من صمدوا رغم الوجع.
سلام وراما عرفا اسم وتفاصيل البلد، وسيتعلم صغيري سيف أن بلفور كان أحد أسباب المأساة، هذا غرسنا في الأجيال، ونعلمهم أيضاً أنك ستحاكم كي تموت من جديد.

محمد أبو مهادي