جامعة الأزهر والفساد الذي يمشي مختالاً ويتبختر!

بقلم: أيوب عثمان

وأنا أُقلّب – هكذا دون خبرة أو علم – صفحات الخلوي الذكي، داهمني ففاجأني إعلان جامعة الأزهر عن "ندوة علمية بكلية الحقوق حول انضمام فلسطين إلى منظمة الانتربول الدولية".

شعرت أن إعلان الجامعة داهمني وفاجأني، لأن كثيراً من المواضيع التي كانت أكثر أهمية وأكثر خطورة من "انضمام فلسطين إلى منظمة الانتربول الدولية"، قد مرت دون أن تعيرها جامعة الأزهر وكلية الحقوق فيها أدنى اهتمام أو انتباه، وللتدليل على ذلك نكتفي بأن نسوق - على سبيل المثال مثال لا الحصر – مواضيع ثلاثة هي: إنشاء وتشكيل "المحكمة الدستورية" و"قانون الجرائم الالكترونية"، وقبلهما إصدار المرسوم الرئاسي في 1/6/2014 والقاضي – خلافاً للقانون – بتعيين رئيس المحكمة العليا، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ثم قرار المحكمة العليا الصادر في 7/12/2015 والقاضي بإبطال المرسوم الرئاسي الذي تم اكتشاف انعدام قانونيته بعد أكثر من ثمانية عشر شهراً!!!

أما "المحكمة الدستورية" التي تم تشكيلها منذ نحو ستة أشهر و"قانون الجرائم الالكترونية" الذي صدر منذ نحو شهرين، بالإضافة إلى ما أوردناه أعلاه في شأن المرسوم الرئاسي ثم إبطاله بعد أكثر من ثمانية عشر شهراً، فإن شيئاً لم يحدث وندوة واحدة في جامعة الأزهر وكلية الحقوق فيها لم تٌعقد حول أي من هذه المواضيع على الرغم مما احتوى هذه المواضيع من عوار طافح وفساد فاضح.

لقد تصدى كثيرون – إنْ على مستوى الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة - للمحكمة الدستورية ولقانون الجرائم الالكترونية دون أن يصدر عن جامعة الأزهر وكلية الحقوق فيها ولو كلمة واحدة، ودون أن تُعقد في شأن أي منهما ولو ندوة واحدة، وكأن الأمر لا يعني جامعة الأزهر كما لا يعني كلية الحقوق فيها، فيما كانت المسارعة إلى عقد ندوة حول "انضمام فلسطين إلى منظمة الانتربول الدولية"، فلماذا؟!

كم هو جيد وجميل أن تهتم جامعة الأزهر وكلية الحقوق فيها، بل وكل فلسطيني في الأرض المحتلة وفي الشتات الفلسطيني بانضمام فلسطين إلى منظمة الانتربول الدولية، باعتبار ذلك إنجازاً فلسطينياً على المستوى السياسي يراكم على ما سبق ويمهد لما سيلحق إن شاء الله، لكن الأجود والأجمل والأفضل والأعدل ألا تمر أحداث وأمور أكثر أهمية وأكثر خطورة مثل "المحكمة الدستورية" و"قانون الجرائم الالكترونية" وكأن أرباب جامعة الأزهر وكلية الحقوق فيها لا عقول في رؤوسهم تفكر ولا آذان لهم تسمع ولا أعين في وجوههم ترى!!! أيعقل هذا فيما "المحكمة الدستورية" و "قانون الجرائم الالكترونية" قد ظلا - لفترة طويلة - حديثاً للناس وموضوعاً مهماً تتناوله - على مستوى اليوم والساعة - الندوات والصحافة والفضائيات، فيما

جامعة الأزهر وكلية الحقوق فيها لم ينبسوا – ألبتة – ببنت شفة؟! لماذا؟ الجواب لأنهم لا يريدون أن يختلفوا مع الرئيس، بل لأنهم يسعون إلى رضاه ولو على حساب كل شيء وأي شيء. أمام المنتمون الحقيقيون للوطن، فإنهم لن يختلفوا معكِ - يا جامعة الأزهر ويا كلية الحقوق فيها - لو كنتم مع الرئيس ما بقي وما بقيتم، إلا إذا خالفتم القانون. وعليه، فلا بأس إن كنتم مع الرئيس كما شاء لكم أن تكونوا، لكن قولوا رأيكم القانوني فيما يصنع الرئيس.

ما الذي يمنعكم أن تقولوا رأيكم القانوني في اختيار الرئيس قضاة للمحكمة الدستورية يُعَد بعضهم وصفة لتطوير الفساد في بلادنا وتدمير قضائنا وإفساد قضاتنا؟! ألم يحرك سواكنكم اختيار الرئيس قضاة للمحكمة الدستورية أنتم الأعلم بما مارسوه من فساد لا يجيز لهم أن يُجْلَسوا حكاماً على البلاد وعلى رقاب العباد؟!

ألم تروا - وألا ترون حتى اللحظة - أن الرئيس بما فعل في شأن المحكمة الدستورية إنما هو عاقد العزم على استبعاد أولي الصدق والأمانة والعزم والقوة واستبدالهم بأصحاب الضعف وفساد الضمير وأرباب الفشل والإفساد؟!

ألم تكن هذه الطامة الكبرى المتعلقة بالمحكمة الدستورية تستأهل منك يا جامعة الأزهر ويا كلية الحقوق فيها عقد ندوة – ولو على المستوى التوعوي لا النقدي السلبي – كما استأهل "انضمام فلسطين إلى الانتربول الدولي"؟! ألم يكن حرياً بكم أن تعقدوا ندوة علمية تناقشون فيها أمر "المحكمة الدستورية" من حيث إنشائها ومن حيث تشكيلها وإخراجها على النحو الذي أتت عليه؟! ألم تدركوا – وألا تدركون حتى اللحظة – أن الفساد الذي اعترى "المحكمة الدستورية" في إنشائها ثم في تشكيلها إنما هو فساد في التعليم ثم فساد في القضاء وإفساد ؟!

وبعد، فلماذا لم يجل بخاطركم يوماً أن تعقدوا ندوة عن العلاقة بين التعليم والقضاء - سلباً وإيجاباً - مع التركيز على التعليم الجامعي القانوني؟ لماذا لم تفكروا يوماً أو مرة أن تعقدوا ندوة عن الفساد لا سيما وإنه طافح في البلاد، بل ويزكم أنوف العباد، حتى أنه طال أرباب تعليم القانون وأركان البلاد؟! ألم تشهدوا تزويراً خطيراً ارتكبه في هذه الجامعة رئيسها؟! ألم تشهدوا فساداً إدارياً/ أكاديمياً ارتكبه في هذه الجامعة أكابرها من رئيس مجلس أمنائها إلى رئيسها إلى بعض أركانها ومسؤوليها؟! ألم تشهد كلية الحقوق في هذه الجامعة - بعميدها وأساتذتها - سرقة البعض لأبحاث الغير ومؤلفاتهم وكتبهم من ألفها إلى يائها؟! أينكر بعضهم أنه استرشدني ذات يوم واستعان بي، بل وسلمني شواهد لا مجال لدفعها عن فساد أصحابها؟! وعليه، فلماذا لا تعقدون ندوات عن فساد عندكم تعرفونه وتعرفون عنه بينكم يكاد يفتك بأبنائنا وطلبتكم، فيما تفضلون عقد ندوات لا رجاء فيها إلا إذا حاربتم الفساد الذي يعيش معكم وترونه يمشي بينكم متكبراً مختالا؟!

لماذا لا تعقدون ندوات تُعلّمون من خلالها شبابنا أن قوة الشعوب تنتجها قوة تعليمها ونزاهة القضاء والقضاة فيها وحسن اختيار قادتها ومحاربة الفساد في كل مناحي حياتها؟! لماذا لا تعقدون ندوات تعلمون طلبتكم من خلالها أن الفاسدين إن أمنوا العقاب ( كما هو حاصل في بلادنا) زادوا في فسادهم وتسابقوا على إفساد غيرهم؟!

ما الذي يحول بينكم وبين قول الحق استناداً لعلم القانون الذي تعلمتم من أن تشكيل المحكمة الدستورية والقسم الذي أداه بعض قضاتها أن يحترموا الدستور والقانون وأن يحكموا بالعدل إنما

هو في حد ذاته دليل على جريمة كبرى جرت وما تزال الآن تجري تبعاتها ضد شعبنا وقضيته، متمثلة في تعليمه وجامعاته وقضائه ومحاكمه وقضاته؟! ألم تروا – وألا ترون – أن أكاديميتكم ( إن كنتم حقاً أكاديميين )، وأن وطنيتكم ( إن كنتم وطنيين حقيقيين) تفرض عليكم أن تحاربوا هذا الفساد الداهم على تعليمنا الجامعي وقضائنا لوقفه ومساءلة مرتكبيه ومحاسبة أربابه ومعاقبتهم؟! ألم يجل بخواطركم أن الفساد الذي طال بالأمس القريب الكتب والأبحاث إذ تمكن من أساتذة جامعات يُظن أنهم متخصصون في القانون خانوا الأمانة العلمية والبحثية، ها هو الفساد اليوم يصل إلى محاكمنا ويعتلي الدرجات العلا في قضائنا فيعلو هامات البعض من قضاتنا، محاولاً الاستبداد بقضائنا حيث يتربع على قمته ويركب صهوته فيصبح من بين حماته وسدنته من خانوا الأمانة العلمية والتربوية والأخلاقية والوطنية فسطوا – كما قلنا في مقال سابق - على مؤلفات غيرهم بأكملها من ألفها إلى يائها، وحتى دون أن تسلم من أياديهم الآثمة وعقولهم الفاسدة وضمائرهم الميتة نقطة أو فاصلة أو هامش أو حاشية؟!

أما آخر الكلام، فألا يستأهل "قانون الجرائم الالكترونية" الذي أقره الرئيس قبل نحو شهرين أو "المحكمة الدستورية" الذي أصدر الرئيس قراراً بتشكيلها قبل نحو ستة أشهر عقد ندوة في جامعة الأزهر وكلية الحقوق فيها كما استأهل "انضمام فلسطين إلى منظمة الانتربول الدولية"؟! وأما كان إبطال المحكمة العليا بتاريخ 7/12/2015 لمرسوم رئاسي كان قد صدر في 1/6/2014، أي قبل أكثر من عام ونصف، أمراً يستأهل عقد ندوة تطلعون طلبتكم من خلالها على فضائح قانونية كبيرة متعددة أبعادها وخطيرة؟! أم أنكم لا تريدون الاقتراب من أمر أجمع الكثيرون في شأنه ضد الرئيس لتكونوا الأكثر حظوة لديه؟! إذا كان ذلك كذلك، فأبشروا حيث القانون وعلمه الذي تدعون انتماءكم إليه، ما عادت له اليوم حرمة وما عاد له اليوم احترام. أبشروا!!!

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

رئيس "جمعية أساتذة الجامعات – فلسطين"