مما لا شك أن عملية ضرب إسرائيل لنفق عسكري تابع لكتائب سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي واستشهاد وإصابة عدد كبير من المقاومين بمن فيهم قائد لواء الوسطى عرفات أبومرشد (أبو عبدالله)، ونائبه حسن أبو حسنين يحمل في طياته الكثير من الرسائل والدلالات الخطيرة في مقدمتها أن دولة الكيان الصهيوني تؤكد رغبتها في خلط الأوراق على الساحة وبعثرتها بشدة ، وإرباك المشهد برمته، وتغيير قواعد اللعبة، وتؤكد أن خيارها الأساسي هو بقاء دوامة الانقسام والتمزق الفلسطيني قائم ومستمر، وأنها قررت فعلياً تخريب المصالحة الفلسطينية، التي أبدت ظاهرياً عدم معارضتها وتركتها تسير في طريقها لأسباب عديدة منها الإصرار المصري على إتمام المصالحة وقبول الولايات المتحدة بالجهود والرؤية المصرية، فبدأت بمحاولة اغتيال اللواء توفيق أبونعيم يوم الجمعة المنصرم لكنها لم تنجح في تصفيته ولم تؤدِ إلي تحقيق الهدف الذي سعى إليه الاحتلال وهو إخراج حماس من دائرة ضبط النفس وإجبارها على الحرب كما حدث عندما اغتالت الطائرات الإسرائيلية قائد كتائب القسام أحمد الجعبري واندلاع حرب غزة الثانية. هذا الفشل في تحقيق الهدف المنشود حدا بإسرائيل إلى الاتجاه نحو اقتراف جريمة أخرى ولكن هذه المرة ضد المقاومة الفلسطينية متمثلة بحركة الجهاد الإسلامي فقامت بضرب النفق في مسعىً منها لتحريض وتحفيز وإجبار فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة الجهاد الإسلامي على الرد على هذه الجريمة وبالتالي منحها الذرائع والمبررات لإعلان الحرب على غزة وهو ما سيؤدي فعلياً إلى واد المصالحة في مهدها.
لكن السؤال الكبير الذي يتبادر إلى أذهان المتابعين والمحللين السياسيين هو هل ستنجح إسرائيل فعلاً في استدراج فصائل المقاومة وتحقيق هدفها بجر القطاع لحرب رابعة وهو ما يعني فعلياً انتهاء قصة المصالحة والعودة إلي المربع الأول في مسيرة الانقسام التي لا يجني ثمارها المدمرة على الشعب الفلسطيني سوى الاحتلال الإسرائيلي ؟!! الإجابة على هذا السؤال لا تتمثل بمراقبة بالتصريحات بل بمراقبة ردود الأفعال الفلسطينية التي تعتبر حتى الآن بالمقاييس السياسية متوازنة جداً وتدلل دلالة واضحة على وعي الفلسطينيين تمام الوعي لحجم المخطط الإسرائيلي لإفشال المصالحة فلم تقم أي من الفصائل كما كان يحدث سابقاً بردود عسكرية عفوية أو عشوائية أو عنترية أو عاطفية بل التزم الجميع بضبط النفس الكامل بدليل عدم قيام أي فصيل بإطلاق أي صاروخ باتجاه دولة الاحتلال وهذا يعني أن مجموع مكونات العمل السياسي والعسكري الفلسطيني في قطاع غزة يعي تماماً المخطط الإسرائيلي والأهداف الإسرائيلية وراء هذه العملية وقبلها محاولة اغتيال اللواء أبونعيم ، هذا التفهم قابلته إسرائيل بعصبية مفرطة تجسدت في تصريحات قائد اللواء الجنوبي الذي قال : عمليات الجيش الإسرائيلي متواصلة ومتدحرجة ولم تنتهي بعد! وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا" للشك أن قرار تخريب المصالحة من قبل إسرائيل ليس قرار عفوياً أو اعتباطياً بل هو قرار استراتيجي اتخذته أعلى المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية مع سبق الإصرار والترصد، وهو ما يعني أن الأيام القادمة حبلى بالكثير من المفاجئات متمثلةً بالمزيد من العمليات الإسرائيلية التي قد تطال وتصل هذه المرة لنخبة من الأهداف الفلسطينية ولا أستبعد أن يكون في بنك الأهداف الإسرائيلية هذه المرة شخصيات مرموقة في مقدمة الصف الأول لمختلف الفصائل والقوى الفلسطينية وذالك لدفع هذه الفصائل والقوى دفعاً لاختيار الطريق المعاكس لضبط النفس وهو الانفلات نحو مواجهة كبيرة وواسعة مع جيش الاحتلال تقضي كل الآمال بالمصالحة وإنهاء الانقسام.
من هنا المطلوب فلسطينياً أن تتوحد الكلمة والرأي والمشورة لجميع مكونات العمل السياسي في مواجهة هذا المخطط الإسرائيلي الخبيث من خلال الإسراع بانجاز كافة ملفات المصالحة وإنهاء الانقسام مرة واحدة والي الأبد ، كما يجب على مصر راعية المصالحة العمل الجاد والسريع للجم الفلتان الخطير الذي تمارسه دولة الاحتلال دون حسيب أو رقيب.
بقلم / د. ناصر الصوير
باحث وكاتب ومحلل سياسي
--------------------