تحدثنا في الحلقة السابقة أن المجلس البلدي الرابع في عهد الانتداب البريطاني لفلسطين (1918-1948) تشكل عقب انتخابات 1934م، من اثني عشر عضواً ، سبعة منهم أعيد انتخابهم من المجلس السابق بمن فيهم رئيس البلدية الجديد فهمي الحسيني الذي فاز مجدداً برئاسة البلدية وموسي البورنو وعثمان الغلاييني وسعيد أبو رمضان وراغب أبو شعبان وعبد النور الإفرنجي وحافظ ترزي، وخمسة أعضاء جدد دخلوا المجلس للمرة الأولى هم: وعادل الشوا وموسى الصوراني ورشدي الشوا ومحمد طاهر الريس وعبد القادر حتحت.
وأثناء عمل هذا المجلس قامت السلطات العسكرية البريطانية باعتقال رئيس بلدية غزة فهمي الحسيني في أواخر عام 1938، وأودع سجن عكا بسبب مواقفه الوطنية المناهضة لسياسات الانتداب المنحازة لليهود والرامية لتهويد فلسطين ونزعها من سكانها الأصليين، ولم يفرج عنه إلا في أواخر عام 1939، بعد أن أمضي عاماً كاملاً خلف قضبان المحتل، وفي تلك الأثناء قامت السلطات بعزله من منصبه كرئيس منتخب لبلدية غزة، وعملاً بأحكام قانون البلديات لسنة 1934 حلّ عادل الشوا بصفته نائباً لرئيس البلدية مكانه حتى 24/1/1939م، وهو تاريخ صدور قرار تعيين رشدي الشوا رئيساً لبلدية غزة أي أن عادل الشوا قام بأعمال رئيس البلدية بالإنابة لفترة وجيزة امتدت عقب اعتقال فهمي الحسيني من نوفمبر 1938م وحتى تاريخ تولي رشدي الشوا رئاسة البلدية أي لشهرين تقريباً. بعدها وتحديداً في 24/1/1939م صدر الإعلان الحكومي بتعيين رشدي الشوا رئيساً لبلدية غزة .
وقد ألغيت الانتخابات البلدية التي كان من المفروض إجراؤها في العام 1939م بسبب أحداث الثورة الفلسطينية الكبرى ( 1936-1939م ) واستعاض عنها المندوب السامي بتعيين لجان لإدارة شئون البلديات كلما وجد ذلك مناسباً ؛ ففي عام 1939 كانت ثماني بلديات تدار بواسطة هذه اللجان ، وأصبحت عشرة في العام 1945م ؛ منها بلديات : القدس ، وحيفا ، وطبريا ، وغزة ؛ وفيما يتعلق بأحكام قانون البلديات لسنة 1934م. وبموجب هذا الإرجاء للانتخابات البلدية ، لم يطرأ أي تغيير على تركيبة المجلس الأصلية من سنة 1934، وبقي المجلس على حاله ، باستثناء عزل ووفاة فهمي الحسيني، فأصبح العدد أحد عشر عضواً، وبانسحاب عادل الشوا أصبح عدد أعضاء المجلس البلدي عشرة أعضاء ، ثم بوفاة العضوين عثمان الغلاييني عام 1940 ، وعبد النور الإفرنجي عام 1941 تجمد عدد أعضاء المجلس عند ثمانية أعضاء فقط هم: رشدي الشوا رئيساً ، ومحمد طاهر الريس نائباً للرئيس وموسي الصوراني وسعيد أبو رمضان وموسى البورنو وعبد القادر حتحت وراغب أبو شعبان وحافظ ترزي أعضاءً. وفي 10/1/1944م صدر قرار حكومي بإضافة أربعة أعضاء جدد لملء الشواغر الموجودة، هم : فائق بسيسو ، وراغب العلمي ، وسعد الدين الحسيني ، وغالب النشاشيبي .
وكنا قد تناولنا الأعضاء القدامى في الحلقات السابقة وهم/ رشدي الشوا رئيس البلدية ومحمد طاهر الريس نائب رئيس البلدية وموسي الصوراني وسعيد أبو رمضان وموسى البورنو وعبد القادر حتحت وراغب أبو شعبان وحافظ ترزي.
الأعضاء الجدد في المجلس الخامس
عضو المجلس البلدي / راغب إبراهيم العلمي :
هو راغب إبراهيم أحمد العلمي . ولد في مدينة غزة عام 1901م ، من عائلة عريقة تنتسب إلى جبل العلم بالمغرب ، جاء جدهم إلى القدس في القرن الثامن للهجرة ، ونزل فرع منهم إلى غزة في أواسط القرن الثالث عشر للهجرة . والده إبراهيم أحمد مصطفى العلمي من وجهاء غزة وأعيانها ، كان عضواً في مجلس بلدية غزة في العهد العثماني ، توفى عام 1937م . والدته رضا العلمي . حصل على دبلوم زراعة . عمل في التجارة ، وكان من ذوي الأملاك والثروة. تزوج من وداد إبراهيم فيضي العلمي من القدس رُزق منها : هاني ، وإبراهيم ، ومي ، وليما ، ونهى ، ونداء ، وصباح . انتقل من عضوية المجلس البلدي في الأربعينيات من القرن المنصرم، إلى منصب نائب رئيس البلدية في الخمسينيات ، ثم شغل منصب رئيس البلدية في الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين ، وأقيل من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي سنة 1971 بسبب مواقفه الوطنية والسياسية . منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر وسام الجمهورية من الدرجة الثانية ، وهو وسام رفيع يمنح للشخصيات المهمة تكريماً لها ولإنجازاتها وأعمالها.
له مساهمات اجتماعية وخيرية واضحة ومتميزة ؛ تمثلت بإقامته مجموعة من المشاريع الخيرية التي لا تزال قائمة وتقدم خدماتها لأبناء المدينة في المجالات الدينية والصحية والتربوية لغاية اليوم . توفى عام 1993 .
عضو المجلس البلدي / غالب سعيد النشاشيبي :
هو غالب سعيد أحمد النشاشيبي . ولد في مدينة القدس عام 1907م ، من عائلة مقدسية عريقة ومعروفة . والده سعيد أحمد النشاشيبي ، توفي عام 1916م .والدته زينب خليل النشاشيبي ، تولت تنشئته في كنف والدها الحاج خليل النشاشيبي ، عندما توفي والده ولم يبلغ التاسعة من عمره بعد . تولت عمته حكمت عارف أحمد النشاشيبي الإشراف على تعليمه . تخرج من الكلية الإنجليزية في القدس عام 1922م ، ومنها التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ، التي تخرج منها في عام 1925م حاصلاً على الدرجة الجامعية "البكالوريوس" في الإدارة والاقتصاد السياسي . التحق بعدها بجامعة ليفربول في بريطانيا لدراسة الهندسة المعمارية ، حاذياً حذو والده سعيد النشاشيبي الذي كان مهندساً مجازاً من جامعة اسطنبول ، والذي ترك بصماته في مشروع توصيل المياه إلى مدينة القدس أثناء الحكم العثماني( بعض قنوات المياه التي شملها المشروع الذي أسهم والد غالب النشاشيبي في تصميمه وتنفيذه لا تزال موجودة في واد القلط حتى يومنا هذا) . عين عقب عودته من بريطانيا موظفاً من الدرجة الثانية في حكومة فلسطين عام 1927م ؛ وفي عام 1932م ترقى إلى الدرجة الأولى ، حيث شغل منصب مساعد مأمور التسوية في دائرة الأراضي حتى عام 1938م، وكان مركز عمله في مدينة غزة التي انتقل إليها من القدس . تزوج من أميمة أديب النشاشيبي رُزق منها خمسة أبناء ، ثلاثة منهم ولدوا في مدينة غزة على يد القابلة القانونية صديقة الصايغ ؛ وذكر يوسف عبد القادر حتحت أن غالب النشاشيبي تزوج من زوجة ثانية هي السيدة مكرم أبو خضرة لفترة وجيزة وانفصلا دون أن ينجبا أولاد . ترك الوظيفة الحكومية ، واشترك في عدة مشاريع اقتصادية حرة . غادر غزة عام 1955م عائداً إلى مسقط رأسه في مدينة القدس ، وفور عودته إليها التحق بوزارة الإنشاء والتعمير في الحكومة الأردنية حيث كانت الضفة الغربية الفلسطينية إدارياً وقانونياً تحت الحكم الأردني من 1948 –1967م . انتقل إلى وزارة الإصلاح الريفي في وزارة الشئون الاجتماعية مراقباً للضفة الغربية ؛ عين عام 1957م مديراً عاماً لشركة كهرباء محافظة القدس ، وبقي يديرها حتى سنة 1972م ، ثم عين مستشاراً إدارياً لها حتى عام 1976م . ساهم في إقامة محطات توليد كهرباء: القدس ، ورام الله ، وبيت لحم ، وأريحا . توفي في 23/7/1990م .
عضو المجلس البلدي/ سعد الدين أحمد الحسيني :
هو سعد الدين أحمد عارف الحسيني . ولد في غزة عام 1912م ، من عائلة عريقة . والده أحمد عارف الحسيني ، وهو أحد أبرز الشخصيات الفلسطينية في أواخر العهد العثماني . هو احد الشهداء الذين أعدمهم جمال باشا ، ولد في غزه وأبوه هو الشيخ العالم حنفي الحسيني مفتي غزه ، لازم أباه وتلقى العلم على يده حتى غدا أمين سره ، وصار مناضلاً يشار إليه بالبنان ، كان الشيخ احمد عارف في الثانية والثلاثين من عمره عندما تولى منصب الإفتاء في غزه ، حيث انتخب مفتياً لها ، وترأس لجنة المعارف فيها ، وعضواً بمجلس الإدارة ، وإماماً لمسجد السيد هاشم ، وعضواً في المجلس العمومي للمتصرفية بالقدس ، وعضواً في مجلس المبعوثان وهو البرلمان العثماني الذي شكل بعد الانقلاب الذي نفذته جمعية الاتحاد والترقي سنة 1909 على السلطان عبد الحميد ، وتوليتها لأخيه محمد رشاد الخامس ، وأطلق عليه المبعوثان لأنه كان يضم اثنين من المبعوثين عن كل ولاية أو متصرفية ، كان لأحمد عارف الحسيني ميول قومية عربية في وقت دأب فيه الحكام الأتراك على سياسة التتريك فانقلبت الأمور عليه ، انتمى إلى حزب الحرية والائتلاف العثماني الذي ناهض حزب الاتحاد والترقي المعروف بنزعته التركية ؛ حيث أمرت السلطات التركية بنفيه إلى الأناضول ، فطلب إمهاله أياماً وفكر في النجاة بنفسه فذهب وابنه مصطفى بحجه رغبته في وداع أبناء عمه من رؤساء قبيله الوحيدات ولكن السلطات تعقبتهم وقبضت عليهما متهمةً إياه وابنه بالعزم على الالتحاق بالثورة العربية الكبرى ، وسيقوا إلى المجلس العسكري العرفي حيث حكم على الوالد بالسجن 15 عاما وعلى الولد 12 عاما ؛ ولكن جمال باشا أقال المجلس العرفي وعين غيره موعزاً إليه بإصدار حكم الإعدام شنقا على الشيخ ورمياً بالرصاص على ولده في آن واحد ، ونفذ الحكمان في ساحة باب العمود في القدس أواخر سنة 1916 وكان المفتي في السادسة والأربعين من عمره وابنه في السادسة والعشرين .
تلقى سعد الدين تعليماً عالياً ، وكان من مثقفي جيله ، كان دمثاً ، جميل الطباع ، هادئ الأعصاب . تزوج من أميرة سعيد الحسيني ورُزق منها : أحمد ، وسهيل ، ونبيل ، وسمير . عمل في عدة دول عربية منها ليبيا ، والكويت . عُين سنة 1944م بالمجلس البلدي ، وفاز بعضوية المجلس بالانتخاب سنة 1946م ، وبقي في المجلس إلى أن استقال سنة 1951م . كان يكتب بعض المقالات السياسية في الصحف المحلية تميزت ببعد الرؤية والعمق والواقعية . توفى في الكويت عام 1985م .
عضو المجلس البلدي/ فائق عاطف بسيسو :
هو فائق عاطف علي بسيسو . ولد في مدينة غزة عام 1914م ، من عائلة معروفة في غزة ظهر منها في القرن الثالث عشر أو الرابع عشر علماء وصلحاء ، ووجهاء. والده عاطف علي بسيسو ، من وجهاء غزة ومن ذوي الأملاك والأراضي . تلقى تعليمه الابتدائي في غزة ، وأكمل تعليمه في الكلية العربية بالقدس . تزوج مرتين ؛ زوجته الأولى فوزية خليل يوسف بسيسو . وزوجته الثانية هي وداد صبحي خورشيد من يافا رُزق منها : عاطف ، وعاهد ، ونادية ، وشادية ، ونسرين ، وأمل . عمل في المجال السياسي والوطني ، وتعرض للاعتقال أكثر من مرة في عهد الانتداب البريطاني بسبب نشاطه السياسي . يعتبر من رواد الحركة الرياضية في غزة ، فهو من مؤسسي نادي غزة الرياضي ، وأنشأ النادي القومي في الشجاعية ، وأول من أدخل الفرق النحاسية والموسيقى للكشافة في غزة ، والنجادة في اللواء الجنوبي ، كما أختير قائداً للكشافة في المدارس الثانوية في اللواء الجنوبي . شغل منصب رئيس بنك الأمة من عام 1940م في الخليل ، ثم في غزة من عام 1943م . لا يزال بيته قائم في حارة بسيسو بحي الشجاعية ، و تقيم أسرته حالياً في حي الرمال . توفى عام 1967م .
وبهذه الإضافة عاد للمجلس البلدي عدده الأصلي المقرر ، وهو اثنا عشر عضواً ؛ واستمر الحال هذه الشاكلة وبهذه الصورة حتى إجراء الانتخابات البلدية عام 1946م.
وبنظرة تحليلية لتركيبة المجلس البلدي الخامس نجد أن رئيسه كلف من قبل الحاكم العسكري البريطاني لتولي هذا المنصب ، وأن بقية أعضائه هم أصلاً أعضاءً في المجلس البلدي الرابع الذي انتخب عام 1934م ، ولم تشهد هذه التركيبة تغييراً إلا في عام 1944م بعد خروج عضوين ووفاة عضوين ، فأمرت السلطات بإضافة أربعة أعضاء جدد من عائلات تحمل نفس سمات الزعامة والوجاهة ، وهي : بسيسو والعلمي والحسيني ،بالإضافة إلى عائلة النشاشيبي المقدسية العريقة ؛ وفي المحصلة النهائية فإن تركيبة المجلس كانت متجانسة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً إلى حد كبير .
لقد تحول المجلس الخامس بتكليف رئيسه من قبل السلطات ، وبإضافة 4 أعضاء جدد ، وبوفاة وخروج 4أعضاء من المجلس الرابع المنتخب ، إلى مجلس تابع للسلطات ، لا يستطيع أن يجابه إرادة الانتداب، وأن يستقل بالبلدية كمؤسسة محلية وطنية مستقلة وظلت التبعية قائمة ، بسبب ما فرضته سلطة الانتداب من قوانين مقيدة لأي خطوة من شأنها تحقيق أي استقلالية للبلديات عن جسم الانتداب .... يتبع
د. ناصر الصوير
باحث وكاتب ومحلل سياسي