شهادة الرئيس الرمز ياسر عرفات ، تاريخ يتجدد كل عام في ذكرى استشهاده، لأن ما قدمه من تضحيات لا يمكن أن تمحوه السنين والأيام، فهو يعيش في قلب وضمير الشعب والثورة، مع رفاقه القادة العظام لانهم عاشوا من اجل فلسطين وهم كانوا الحامل الاكبر للمقاومة والثورة، وبدمائهم لم يعد ممكنا تجاهل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
ثلاثة عشرة عاما مضت على غياب الرئيس الرمز ياسر عرفات ،على اغتياله، نعم اغتيال لأن اركان وعناصر الجريمة باتت واضحة ولا ينقصها سوى اعتراف المتهم المعروف وهو العدو الاسرائيلي، بعد ان اكدت التقارير وقوع الجريمة بدس السم ، ولكن لم يعلم الاحتلال بأن اغتياله للرئيس الشهيد ياسر عرفات، لم يحقق الهدف فالقضية التي رفع لواءها قائد الثورة لا تزال حية في وجدان كل الشرفاء والاحرار ،حيث كرس ابو عمار الكيانية الفلسطينية من خلال حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ،فكان يقود الثورة متنقلا بين العواصم والدول، وكانت شعلة الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد، والنضال الدبلوماسي والعمل السياسي والإعلامي طريق النضال، فخاطب العالم أجمع ورفع غصن الزيتون بيد والبندقية باليد الاخرى على اعلى منبر في الامم المتحدة ، وتعرض للعديد من عمليات الاغتيال وحوصر في كامب ديفيد 2 وبقي وفياً للثوابت التي آمن بها، كقضايا القدس واللاجئين وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس فحوصر في مقر المقاطعة والتي هدمتها بلدوزرات الاحتلال وهو كان يقول"عالقدس رايحين شهداء بالملايين حتى اغتياله" .
مما لاشك فيه أن هناك قادة استثنائيين في تاريخ الشعب الفلسطيني، والشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات واحد من أولئك القادة الذين أنجبتهم الثورة الفلسطينية، كما القادة فارس فلسطين الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس وحكيم الثورة القائد الراحل جورج حبش وامير الشهداء أبو جهاد الوزير وامين عام الجبهة الشعبية فارس الانتفاضة أبو علي مصطفى وسنديانة فلسطين ابو عدنان قيس وفارس القدس امين عام جبهة النضال الدكتور سمير غوشه ورمز الكفاح المناضل الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني بشير البرغوثي وشيخ المجاهدين مؤسس حركة حماس احمد ياسين وشهيد اعلان الاستقلال الامين العام طلعت يعقوب وفارس المقاومة امين عام حركة الجهاد فتحي الشقاقي وقمر فلسطين الامين العام ابو احمد حلب والقادة فوارس النضال الوطني والتقدمي والقومي سليمان النجاب وعبد الرحيم احمد وزهير محسن وفضل شرورو وعلي بوشناق والشاعر الكبير محمود درويش والشاعر الكبير سميح القاسم وغيرهم من قادة شعبنا العظام.
ولا بد من القول ان الشهيد ياسر عرفات سواء اتفقت معه أو اختلفت في النهج والسياسة أو غيرها، فهذا الرجل شكل حالة و"كريزما"قيادية فريدة فلسطينياً وعربياً ودولياً،فعلى الصعيد الفلسطيني كان القاسم المشترك والموحد لحركة فتح ، وكان يعرف كيف يحافظ عليها قوية ومتماسكة، وهو كذلك
شكل عنواناً وبيتاً لوحدة كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،وأنا أجزم أن القادة التاريخيين للثورة الفلسطينية، كان الهم الوطني عندهم له الألوية على الاعتبارات الحزبية والتنظيمية الضيقة.
وعلى هذه الارضية كان الرئيس الشهيد أبو عمار يجيد الإبحار في البحر العربي المتلاطم الأمواج وينجح في قيادة السفينة الفلسطينية الى شط الأمان رغم حدة وشدة التجاذبات والخلافات العربية وتدخلاتها ومحاولة استخدامها للورقة الفلسطينية في خلافاتها وتناقضاتها،وكان يقف على مسافة من تلك الخلافات،ويرى أن مصلحة الشعب الفلسطيني تتطلب منه حنكة وحكمة في القيادة وتسيير أمور الشعب الفلسطيني وتحديداً في دول الطوق ،وكان قادراً على جعل القضية الفلسطينية حاضرة على طاولة القمم العربية،بل وكانت القيادة الفلسطينية تلعب دوراً مهماً في رسم وتحديد المواقف العربية من القضية الفلسطينية،وتوفير الدعم والإسناد لها سياسيا وماليا وتسليحيا وغير ذلك، كما كان على الصعيد العالمي بمثابة رمز لكل الشعوب وحركات التحرر والقوى الثورية العالمية، وكان في كل جولاته يستقبل استقبال الأبطال والقادة الكبار ، متمسكا بحقوق الشعب الفلسطيني .
في هذا الظرف الدقيق والخطير الذي تمر به قضيتنا الوطنية لا بد من تجسيد الوفاء للشهيد القائد ياسر عرفات من خلال الاسراع في ترتيب الوضع الداخلي ورص الصفوف والتكاتف وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية والحفاظ على خيار شعبنا في التمسك بالانتفاضة والمقاومة كحق مشروع في مواجهة الاحتلال والاستيطان ، حتى نيل حقوق شعبنا كاملة غير منقوصة .
إن التضحيات الكبيرة التي قدمها ولا يزال يقدمها الشعب الفلسطيني والتي أثارت كثيرا من التعاطف مع الحق الفلسطيني، يراد لها أن تطمس وتمحى من الذاكرة الفلسطينية والعربية، الا ان شعبنا وبعد ان انتظر طويلا فهو متسلح بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني بعدم عودة التنسيق الامني وعدم العودة الى المفاوضات العبثية والعقيمة والتي لم تعطي اية نتيجة على مدار اربعة وعشرون عاما سوى التردي وخيبات الامل من ادارة امريكية تدعم كيان الاحتلال ومجتمع دولي منحاز للاحتلال ، فالشعب الفلسطيني العظيم يرفض اي صفة القرن الامريكية التي تستهدف شطب حقوقه الوطنية تحت طروحات خطيرة .
من هنا نقول ان الشعب الفلسطيني يؤكد في ذكرى الرئيس الشهيد ياسر عرفات على الوعي الفلسطيني الذي يرتسم ويتشكل في مخاض تاريخي جديد ولو نجحت محاولات الالتفاف التي تقودها الادارة الامريكية وحلفائها فهي لن تفلح في مقاومته والقضاء عليها لأنها ستنبعث مجددا متسلحة بوعي أوضح وبإرادة أقوى ، فهكذا تقول تجربة الشعب الفلسطيني الذي لم يفلح كل ما بذلته القوى الاستعمارية والرجعية والغزاة الصهاينة من جهود لمصادرة حلم الشعب الفلسطيني ،هذا الشعب الذي يواصل نضاله بحاجة الى العمل على تجذيره ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، وبذلك يكون تعبيرا عن الحقيقة الناصعة لدماء الشهداء باستحالة المساكنة مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه تحت أي ستار.
واليوم في ذكرى رمز فلسطين نرى المؤشرات تتجه الى لبنان عن طريق فوضى الربيع العربي حيث الرؤية الامريكية بدعم من قبل بعض الدول العربية حيث تحدث الفوضى السياسية والجغرافية
والعنف والارهاب فيها وخلق ازمة وتدويلها وفرض واقع جغرافي جديد فيه لمحاصرة وعزل المقاومة جغرافيا ، لذلك كون اللبنانيين جميعهم خاسرين في تلك اللعبه ، فلا بد من دعوة التيار الشعبي اليساري والقومي على صعيد الوطن العربي للقيام بدوره لمواجهة المؤامرة التي تستخدم شعوبنا لها .
في ظل هذه الظروف نظرتنا كشعب عربي لايران ولغيرها من الدول ، تساند المقاومة التي وحدها تقف في مواجهة استراتيجية المعسكر الصهيو امريكي ، فأين يكون اصطفافنا كفلسطنيين ، لذلك نقول بصراحة نحن مع وحدة لبنان ومقاومته ومسيرة السلم الاهلي والحفاظ على امنه واستقراره مع حرصنا على سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل بالشأن اللبناني الداخلي وسيبقى تناقضنا الرئيسي مع العدو الصهيوني .
الشعب الفلسطيني اليوم في الطليعة، علينا ان نتحلى بالشجاعة والإرادة والتصميم ونردد امام عدونا الصهيوني وكل من يتربص بنا شراً وضرراً كلمة أستعيرها من الأخ ابو عمار"يا جبل ما يهزك ريح"، فلن تؤثر في صمودنا هوائل الزمن، ولن ينال من عزيمتنا غياب القادة ورحيل الرموز... بل هي مناسبة لتحويل احزاننا الى افعال وبرامج ومواصلة للنضال وتوهج للابداع الفلسطيني في تجاوز مصاعبه.
إن مفصلاً هاماً وضرورياً في رؤيتنا الاستراتيجية وتكتيكنا الوطني يجب ان يتوضح عبر الحفاظ على دور ووظيفة منظمة التحرير الفلسطينية هذا الدور الذي حدده المشروع الوطني الفلسطيني، الامر الذي يستلزم الوعي الاستراتيجي لأهمية إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها على أسس سياسية وديموقراطية كي تتحمل المسؤولية التاريخية في قيادة نضال الشعب الفلسطيني على المستوى العالمي،وكي تبقى الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا والذي مثلته طوال عشرات السنوات واكثر امام العالم بدوله ومؤسساته ورأيه العام.
ختاما لا بد من القول علينا اشتقاق النموذج الفلسطيني في النضال يجب ان يتمظهر بصور حية عبر قدرة شعبنا على تجاوز شدائده ومحنه،فالشعب الفلسطيني اليوم هو احوج ما يكون إلى الوحدة الوطنية، ورص الصفوف ومغادرة مواقع الخلاف والتنافر، والسير موحدين عبر هذا الماراتون الفلسطيني الطويل الذي لم نقطعه بعد... وهو امر يفرض ويستوجب من القوى الوطنية والاسلامية والسلطة الفلسطينية ان تعمل وتبحث عن الصيغ الممكنة والمناسبة لقيادة الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله وانتفاضته الشعبية، ونحن على ثقة بان شعبنا قادر على تنظيم صفوفه وأفعاله وسياساته وتكتيكاته عبر مؤسساته الوطنية التي بناها بدماء الشهداء وجهد المناضلين والقادة.
بقلم/ عباس الجمعة