حين وقعت جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في 14 شباط 2005، تلاقى اللبنانيون ـ على اختلاف أطيافهم السياسية وأديانهم ومذاهبهم ـ على استنكار تلك الجريمة الشنيعة التي أودت باستقرار احوالهم وهددت بإثارة “الفتنة الكبرى” نتيجة دقة التخطيط والتنفيذ، وشبهة إفادة “الخارج” منها على حساب وحدة الداخل.
حتى الخصوم السياسيون للرئيس الشهيد بكوه وبكوا معه استقرار لبنان وتعاظم خوفهم من “المجهول” التي يتهددهم في استقرار وطنهم الصغير وهناءة عيشهم فيه.
ولم يكن الشهيد رفيق الحريري “سعودياً” فحسب، بما لا يلغي هويته اللبنانية المؤكدة، بل هو استطاع أن يكون “شخصية دولية” لها في كل عاصمة من عواصم الكون حضوره المؤثر ورصيده العظيم من الصداقات والعلاقات الدولية.
أما نجله الشيخ سعد الحريري فقد ثبت انه لا يملك لا الموقع ولا الدالة على المملكة التي رعت تجربة ابيه الراحل، وساندته في حركته الدولية، ووفرت ظروف النجاح، محلياً وعربياً ودولياً، حتى وهو يحرص على أوثق العلاقات مع قوة الدعم الثانية والاساسية في تسلمه موقع رئيس الحكومة في لبنان بغير منافس.
ومع الأسف فإن الرئيس سعد الحريري لم يستوعب الدروس الغنية للتجربة الفذة لأبيه الشهيد، وغلبه التردد وسوء تقدير الظروف والتأثيرات التي تحكم الحياة السياسية اللبنانية، فخسر سوريا بعد ان صالحها فصالحته، ولم يستطع أن يربح السعودية التي رعته ودعمته حتى استعاد بعض مكانة والده الشهيد، فضلاً عن بعض إرثه أملاكاً وأموالاً لا تأكلها النيران..
لكن الواضح أن الرئيس سعد الحريري لم يقرأ جيداً دلالات الانقلاب الذي تم على مرحلتين في السعودية: الاولى بعد تسلم الامير سلمان العرش، والثانية بعد استيلاء الامير محمد بن سلمان على مفاتيح السلطة والثروة في المملكة.
وهكذا فإن رفيق الحريري الذي جاء من السعودية “خويان”، مرافقاً للأمير بندر الذي انتدبته المملكة للتوسط للرئيس امين الجميل لدى سوريا، كما بين المذكور ومعارضته الوطنية القوية، والتي تعاظمت بعد ارتكابه جريمة اتفاق “17 ايار عام 1983” مع العدو الإسرائيلي.. في سياساتها عربياً! ودولياً، قد استطاع أن يطور نفسه، خبرة وعلماً، إلى أن غدا احد اهم الشخصيات السياسية والاقتصادية في المنطقة جميعاً، وليس في لبنان فحسب..
أما سعد الحريري فقد دخل السياسة من باب التعاطف الشعبي العريض والتمني بأن يعوض الغياب القسري بالاغتيال لوالده الشهيد… لكنه اضاع الفرصة التي كانت اكبر من طاقته على الاستيعاب، وحين استطاع ترميم وضعه عاد إلى رئاسة الحكومة مقبولاً من الجميع بمن فيهم الذين “اقالوه” وهو عند باب البيت الابيض، فدخل النادي السياسي من بابه العريض..
الأخطر انه لم يستوعب دلالات “الانقلاب السعودي” الذي قاده الامير محمد بن سلمان، فتخلص عبره من كل ” خصومه” ومنافسيه المحتملين على وراثة المملكة وليس عرشها فحسب..
برغم كل شيء، فإن قلوب اللبنانيين جميعاً، على اختلاف مواقفهم ومشاربهم، تخفق تعاطفا مع الرئيس الشاب.. الذي لم يمتع بالشباب!