حال الثقافة .. حال الواقع والحياة ..!

بقلم: شاكر فريد حسن

من يتابع الشأن الثقافي في العالم العربي ، يدرك تماماً مدى الفراغ الفكري والثقافي الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية على جميع المستويات ، اثر الهزائم الذاتية لصالح عشق هستيري للصوت والصورة والجسد . ولعل المستوى الثقافي أخطرها لما يعانيه من افلاس وصدأ وسطحية تمس كل جوانبه ، وتهدد بانفصال كبير لشعوب تلك الدول عن الاسهامات الثقافية الكونية ، والعيش تحت جلود مهترئة لا تشكل في خريطة الثقافات غير نفسها وهيمنة الموروث الرجعي التقليدي المتحجر عليها ، فيما نجد تضخم موروثات التخلف والجهل والانكفاء والرجعية والبطون المتخمة باموال البترودولار ، والاجساد الفضائية العارية ، حتى باتت الثقافة تئن متوجعة ومتألمة لما اصابها من جرب وجمود وتصحر .

الواقع الحياتي يعكس حالتنا الثقافية ويؤكد تردي المقاييس الثقافية ، وتلاشي المعنى الحقيقي للثقافة بفعل وجود متغيرات وتحولات متلاحقة بفعل اتساع ثقافتي الاستهلاك والتطرف الديني ، فضلاً عن مكانة  ودور المثقف العربي ، وانزواء عدد منهم ، وتخلي الكثير منهم عن قناعاتهم الفكرية والايديولوجية ، بعد ان تم خصيهم وشراء اقلامهم ، وظهور المتطفلين على الثقافة . يضاف الى ذلك غياب المعارك الثقافية القلمية ، التي سمعنا وقرأنا عن وقائعها وصراعاتها في بطون الكتب والمجلات والمطبوعات المتعددة . وكانت الأفكار والمذاهب والاتجاهات الفكرية والثقافية والمدارس الادبية هي محاور تلك المعارك بين كبار الشعراء والكتاب والمبدعين والمثقفين ، بينما في حاضرنا اصبحت مفقودة ، وان وجدت معارك ثقافية ، فهي معارك تشبه المعارك بين الازواج والزوجات ، ادانات واتهامات ومهاترات ليس الا ..!

ان الحصيلة المعرفية للمثقف يجب ان تصب في مجرى التغيير الاجتماعي والثقافي والفكري ، وما قيمة المثقف الذي يزعم انه مثقفاً ولا يملك موقفاً تجاه الاحداث والمتغيرات الحاصلة في بلده ومحيطه ..؟!

الثقافة هي سباحة ضد التيار السائد ، ومن يسبح مع التيار تنتفى عنه صفة المثقف ، وكم من " المثقفين " عليهم ان يعيدوا النظر في مواقفهم وسلوكياتهم كي يدخلوا خانة المثقف الحقيقي ، وعلى المثقف أن يكون له دور ايجابي ومؤثر في الانتقاضات والثورات الشعبية والجماهيرية لاجل الاصلاح والديمقراطية وبناء المجتمع المدني .

ان حاجتنا ماسة لتحرير العقل العربي عبر تضييق مساحات المقدسات والايديولوجيات المغلقة ، واطلاق عصر أنوار نهضوي عربي جديد ، رغم الصعوبات والعوائق والظروف الموضوعية والذاتية ، والعمل على نهوض الثقافة واستعادة القها وبعث الحياة فيها ، والسعي الى التغيير الجذري الوطني الديمقراطي العميق والشامل .

بقلم : شاكر فريد حسن