مصر بلد عربي عريق ، وريث الحضارات وملتقى الثقافات ، عايش التاريخ وكان دائماً مركز اشعاع وتنوير وبؤرة ضوء لمن حوله .
وطوال الوقت كانت مصر واجهة العالم العربي ، لكن في السنوات الأخيرة خسرت مكانتها ودورها ، وشهدت تحولات وتغييرات كبيرة ، فرضت عليها اعادة النظر والتفكير بشكل مختلف ، بتقييم الأوضاع وتقويم الاعوجاج والمسيرة والبحث في أسباب التراجع .
ولمصر مكانة عظيمة في قلوب الشعب العربي على امتداد الوطن الكبير الواسع من محيطه وحتى خليجه . وكم كنا نريد لها التحليق على مسارات النهضة والتقدم العصري والحضاري ، وتبوء قبطان سفينة المواجهة وان تكون قائدة رائدة كما كانت في الحقبة الناصرية ، كي لا تسقط وتنهار ، فانهيارها يعني انهيار المنطقة برمتها .
لقد استبشرنا خيراً بالموقف المصري حيال التصعيد السعودي ضد ايران وحزب الله ، فقد صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائلاً : " المنطقة يكفيها ما حدث فيها خلال السبع سنوات الماضية من اضطرابات واشكالات ، ولذلك فمصر ترفض القيام باي عمل عسكري ضد ابران وحزب الله " .
وهذا الموقف طبعاً لا يتماشى ولا يتناغم مع المشروع السعودي الرامي الى القيام بمغامرة وعاصفة حزم عسكرية جديدة ضد ايران وحزب الله ، وله تداعيات كبيرة على مستقبل العلاقات المصرية - السعودية .
وهو موقف ايجابي مسؤول يسجل لصالح مصر ورئيسها السيسي العازم على اعادة مصر لموقعها الافليمي والسياسي .
لا ريب ان هنالك تغيراً في مواقف النظام المصري ازاء الاحداث الجارية في المنطقة ، ويبدو ان السيسي استخلص النتائج والعبر مما يجري ويدور من مخططات ومشاريع تجزئة ، فبعد سلسلة من المواقف السلبية وخاصة في مسألة المعابر ابان العدوان الأخير على غزة هاشم ، فان مواقفه الأخيرة فيها بصيص من الأمل ، وخاصة بعد ان نجحت جهوده في تقريب وجهات النظر بين حركتي فتح وحماس ، وانجاح المصالحة الوطنية الفلسطينية ، اضافة الى موقفه الأخير من التصعيد السعودي ازاء ايران وحزب الله ، مما يعزز الفرص لاصطفافات جديدة وتغيير الخريطة السياسية الشرق اوسطية .
لقد كان لمصر على الدوام دوراً داعماً لقضايا الأمة العربية المصيرية والجوهرية ، ولكن نتيجة الاوضاع الملتهبة والساخنة التي مرت بها فقدت قيادتها للأمة العربية ، وقد تسلمت المملكة العربية السعودية ، راعية وممولة قوى الارهاب ، هذا الدور القيادي .
الموقف المصري الرافض لشن الحرب والعدوان على ايران وحزب الله فيه الكثير من الواقعية والعقلانية بخلاف الرؤية السعودية التي تتصف بالتسرع والمغامرة والمقامرة على شاكلة حروبها في اليمن وقطر .
والسؤال : هل انطوت الصفحة السوداء في التاريخ المصري ، وهل تعود مصر لتتبوأ مكان الصدارة من جديد وتكون حامية حمى العرب والمسلمين ، وهل هي قادرة على تغيير موازين القوى والارتقاء بفعلها ودورها في صناعة مستقبل المنطقة ، في ظل الهجوم الساحق لقوى التخلف والارهاب والتكفير السلفية ، والمقامرة السعودية العسكرية الجديدة ؟؟
هذا ما نأمله وتصبو اليه ونحلم به وسيقرره المستقبل المنظور .
بقلم/ شاكر فريد حسن