قادسية العصر الحديث

بقلم: فراس ياغي

ما يجري في منطقة "الشرق الأدنى القديم" تسارع مُخيف للأحداث لدرجة أن المراقبين والمُحلّيين تاهوا في تفسيرها، فالمصالحه الفلسطينيه أصبحت مطلب أمريكي وأوروبي وإقليمي عربي، ورئيس وزراء لبنان "السعودي الجنسيه" ذهب لدولته ومنها قدم إستقالته وبغض النظر عن كونه أُجبر أو كان خَياره، المهم في الأمر أنه أصلا لا يستطيع أن يكون رئيس وزراء لدولة ثانيه يحمل جنسيتها بدون إذن من دولته الأولى "المملكه العربيه السعوديه"، يُضاف لذلك الترتيبات التي تَحدث في "السعوديه" والتي هي بحد ذاتها وبغض النظر عن أهدافها هي إنقلاب هام سيعكس نفسه بقوة على الإقليم ككل.

الأحداث ليست سوى إنعكاس للإستخقاق السوري-العراقي الذي حقق إنتصار لا لبس فيه على القوة الإرهابيه "داعش" والتي كانت سوائبها تهدف لتقسيم "الشرق الأدنى القديم" وفقا للهويات الطائفيه، إضافة لوأد إستفتاء "كردستان-العراق" في مهده وقبل أن يُبصر النور...هذا الإستحقاق يَستدعي تَحرك عاجل لمواجهته خاصة أن القوة المنافسه والقادمه "إيران" لها دور اساسي ومحوري في كل هذه الإنتصارات، بل إنَّ ما حدث ما هو إلا زيادة نفوذ واضح يمتد من طهران وحتى بيروت ويقفز إلى اليمن بَعدَ صاروخ "الرياض".

لمواجهة هذا الجديد القادم بقوة واضحه، فلا بُدّ من إحداث إرباك إقليمي يَصرف النظر عن الوضع الداخلي لبعض الدول التي يحدث فيها إنقلاب جذري وشامل، والتحضير للقادم الذي يتمثل في إعادة الصراع لطبيعته الأولى، صراع ضِد النفوذ "الإيراني" الذي إستفحل ولا علاج له سوى بالمفاوضات والتعاون بين الجميع في المنطقه بحيث يستند لحل واضح للقضايا عن طريق الحوار واساس ذلك تمكين الشعب الفلسطيني من دولته المستقله على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، والتحضير للحوار السوري-السوري بحيث تكون الإنتخابات الرئاسيه والتشريعيه القادمه مستنده لدستور علماني يُعطي الحقوق للشعب السوري الواحد بمكوناته المختلفه القوميه والطائفيه ويؤسس لوحدة سوريا غير المنقوصه، أما "اليمن" فالحل يمني وفقط يمني وبحيث يحترم الجوار ولا يتدخل فيه ويكون أيضا وفق دستور جديد يستند لتطلعات الشعب اليمني ككل ويؤسس لإنتخابات تُعيد موازناته السياسيه لطبيعتها الداخليه، أما "العراق" فلكي يُعيد وضعه العربي بقوة عليه أن ينبذ الطائفيه المقيته ويعمل على مفهوم المواطنه العراقيه كأساس وهذا يتطلب أيضا إحداث تغيير على دستوره المُستند لمفاهيم الأقاليم والتي حولت العراق وكأنه دولة تتكون من تحالف طوائف أكثر من كونه دولة لمواطن عراقي واحد.

للأسف لا يزال البعض يُفكر بطريقة المواجهة، ولا يعنيه المآسي التي تراكمت من ليبيا مروراً بغزة واليمن وسوريا والعراق وما يحدث من إرهاب مسنود من البعض العربي في شبه جزيرة سيناء، وللأسف لا تزال عقلية البدوي في الثأر قائمه، ولا تزال عقلية القوة والطائفيه الأساس التي تُحرك بعض الزعامات في المنطقه، رغم أن الجميع يعرف جيدا أنهم باقون هنا كجغرافيا وكسكان ولا يستطيع أحد أن يمحوا الآخر عن وجه الأرض، وأن كل السياسات القائمه المدعومه أمريكيا ثبت فشلها وأن البديل هو لغة الحوار وتحقيق مصالح الكل مُستندا لحقوق الشعوب والمواطنه الحَقّه وليس للزعامات أو مفهوم الطائفيه المقيته.

إن المخاض القائم حالياً وفي لحظاته الأخيره يهدف للقيام بترتيبات في المنطقه أساسها تزعم "المملكه العربيه السعوديه" بثوبها الجديد العالم "السني" وترتيب الأحلاف بما يتوافق ورؤية الرئيس "ترامب" في مواجهة "إيران"، وقد بدأ ذلك بترتيب البيت السعودي، وبما يحقق إعادة المفاوضات الفلسطينيه- الإسرائيليه على سكة قطار لا يعمل ولا يتحرك إلا وفق أوامر محدده أساسها الإقتصاد في غزة أولا وإتباع الضفه لها، وبما يحقق أيضاً إستحقاق ما يُسمى بحلف الإعتدال القادم تحضيراً لتوسيع المعركه العسكريه المباشره بحيث تمتد من "إيران" وحتى "بيروت"، وهنا المصالحه الفلسطينيه اساس لأن "غزة" كأرض وسكان وإقتصاد مُهمةٌ لتحييد "حماس" وإبعادها عن حلف "طهران".

يُحكى أن أعرابياً تَرجّل عن حصانهِ ووقفَ أمام صحراءِ الربع الخالي مشدوهاً....نظر حوّله...فلم يجد غير الرمال...تيمّم رملاً وأذّنَ وأقام الصلاة ورفع يديه للباريء راجياً أن تشهد تلك الرمال "قادسية" العصر الحديث...ذاك الأعرابي نسيَ أو تناسى أن "قادسية" زمان كانت ضد الظلم والفساد والفسق.

بقلم/ فراس ياغي