إنها بحق قسمةٌ ضيزى، لا عدل فيها ولا إنصاف، ولا حق معها ولا قسطاس، قانونها الغاب وفقهها الغطرسة والاستعلاء، وسياستها البغي والعدوان، وحكامها الفجرة والظُلام، وحراسها القراصنة واللصوص، يحكمون بقانونهم الذي صاغوه لأجلهم، ويحتكمون إلى القوة الفائقة التي حازوا عليها دون غيرهم، ولا يعبأون بأصحاب الحق ولا يهتمون بشأن المظلومين، ولا يخافون من ملاحقةٍ ولا يشكون من تضييقٍ عليهم، ولا يقوى أحدٌ على محاسبتهم، ولا يتجرأ آخر على منعهم أو ملاحقتهم، فهم صناع القوانين وحراس الظلم، وسدنة السياسة ومُلَّاك الإعلام وملوكه، يثبتون ما يريدون، ويشطبون من التداول ما يتعارض مع سياستهم أو يخالف منهجهم، ويعتمدون في معاييرهم على دعم دول الاستكبار العالمي لهم، وتأييد المستعمرين القدامى والجدد لهم، الذين يضمنون أمنهم ويتكفلون سلامتهم ومستقبل وجودهم.
قصدت المستوطنين الإسرائيليين الغاصبين، بجنسياتهم المتعددة، وألسنتهم الغريبة، وجوههم المقيتة العجيبة، ومنطقهم الأعوج وفلسفتهم العقيمة، وعنيت القوانين الجائرة التي تحميهم، والأنظمة الفاسدة التي تتكفلهم، والسياسات الظالمة التي ترعاهم، وهم الوافدين إلى بلادنا هجرةً، والمغتصبين لحقوقنا عنوةً، والمحتلين لأرضنا عدواناً، والساكنين في بيوتنا غصباً، والعابثين في ديارنا خراباً، والمستغلين لخيراتنا نهباً، إذ من حقهم وفق قوانينهم القتل والاغتصاب، والنهب والخراب، والمصادرة والتجريد، والطرد التهجير، والاستيطان والاحتلال، ولهم الحق أن يجتاحوا الحدود وأن يقتحموا الخصوصيات، وأن ينتهكوا الحقوق والمقدسات، وأن يعبثوا في الحوائج والممتلكات، وأن يزوروا الوقائع والوثائق، وأن يبدلوا الحقائق والمستندات، فلهم الحق في كل ما يريدون، ولا تثريب عليهم في كل ما يرتكبون، فهم صفوة الإسرائيليين وخيرة اليهود، ورسل بني إسرائيل المعاصرين.
أما روايتهم فهي مصدقة، وحكايتهم موثقة، وشهادتهم غير مزورة، وأولويتهم مصانة، وحقوقهم محفوظة، وعلى الجميع أن يصدقهم إذا قالوا، وأن يقبل بشهادتهم إذا أدلوا بها، وعلى العالم كله أن يقف معهم ويساندهم، وأن يؤيدهم ويناصرهم، ويستغربون كثيراً ممن يعاقبهم أو يعارضهم، أو يقاطعهم ويوقف التعامل معهم، وعلى الشهود أن يكذبوا الأدلة ولو كانت ضدهم دامغة، وعلى جريمتهم شاهدة، وما الدماء التي على أيديهم جراء جرائمهم ومجازرهم إلا دماؤهم البريئة الطاهرة بزعمهم، التي سفكها الضحايا الفلسطينيون وكانوا سبباً فيها، ولذا فإن على العالم ألا يصدق الفلسطينيين إذا شكوهم، أو جاؤوا إليهم بأدلةٍ ضدهم وشواهد عليهم.
المستوطنون الإسرائيليون في فلسطين المحتلة لا يردعهم أحد، ولا تمنعهم سلطة، ولا يحد من ظلمهم قانون، ولا تخيفهم قوة، ولا يجرمهم مشرع، ولا يقيدهم سجنٌ أو عقاب، فتراهم يعتدون على بيوت الفلسطينيين ويحرقونها، وقد يحرقون من فيها من السكان وهم أحياء، ويحرقون أشجار الزيتون أو يقتلعونها من أرضها، أو يحرثون بساتينها فلا يبقون منها أثر، ويغتصبون البيوت ويطردون منها سكانها، ويلقون بمتاعهم في الشوارع والطرقات، والشرطة ترقبهم وجنود الجيش تحرسهم، ولا أحد يقف مع الفلسطيني المطرود من بيته، والمنتزع من أرضه وملكه، بينما يقف الجنود مع المعتدين يحرسونهم، ويصدون عنهم أي محاولة من الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم، أو رد العدوان عنهم.
المستوطنون يقطعون الطرق والشوارع العامة، ويوقفون السيارات الفلسطينية العابرة، يضربونهم ويحطمون سياراتهم، أو يطلقون عليهم النار ويقتلون بعضهم، ولا يبالون بدهس الأطفال والنساء والشيوخ، ومنهم من يدوسهم بعجلات سيارته متعمداً، ويعيد الكرة عليهم ذهاباً وإياباً حتى يتأكد من مقتلهم، وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة أمامه، ورغم أن كاميرات الإعلام تصور وتوثق هذه الجرائم، إلا أن الشرطة الإسرائيلية لا تتهمهم، وإذا اتهمتهم فإن المحاكم تبرؤهم، وإذا أدانتهم وحكمتهم فإن أحكامها تكون بسيطة ومخففة، إذ يأخذ القضاة بالأسباب والدوافع التي أدت بهم إلى ارتكاب هذه الجرائم، ويدرجونها ضمن باب القتل الخطأ أو غير المتعمد أثناء الدفاع عن النفس.
المستوطنون يتلفون المحاصيل الفلسطينية، ويفسدون المنتوجات الزراعية، ويسممون المياه الجوفية، ويردمون الآبار والعيون، ويسرقون المياه ويحرمون أهلها منها، ويهاجمون في جماعاتٍ مسلحةٍ القرى والبلدات، ويقتطعون مساحاتٍ من أرضها، ويقيمون عليها بيوتاً مسبقةً الصنع، لتكون بؤر استيطانٍ جديدةٍ، تمهيداً لتشريعها وتوسيعها والبناء فيها، وقد يكونون في حماية الجيش ورعاية مؤسسات الكيان الأمنية، التي لا ترى في أفعال مستوطنيها جرماً، ولا تصنف اعتداءاتهم عدواناً، بل قد تمارس العنف ضد الفلسطينيين المدافعين عن حقهم، وقد تطلق النار عليهم قتلاً أو تخويفاً وترويعاً لتفريقهم، في الوقت الذي تعتقل العشرات منهم وتحاكمهم بتهمة الإخلال بالأمن العام، وتكدير نفوس المستوطنين والتضييق عليهم.
المستوطنون ومعهم المتدينون اليهود وقادة الأحزاب اليمينية القومية المتطرفة، يعتدون على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي الشريف، ويزرعون لهم فيهما بؤراً دينية بحجة الصلاة وأداء الطقوس الدينية، بينما هم يخططون لشئٍ آخر ويعدون لأمرٍ مريبٍ، في الوقت الذي يمنعون الفلسطينيين من الدخول إلى مساجدهم والصلاة فيها، ويعتدون عليهم بالضرب والإهانة والتنكيل، وإذا رأتهم الشرطة فإنها تعتقل المصلين الفلسطينيين، وتأخذ بيد المستوطنين آمنين عبر بوابات الحرم المصادرة مفاتيحها إلى باحات المسجد الأقصى الشريف.
ويح المجتمع الدولي وويح قوانينه البالية الظالمة، ومعاييره المزدوجة ومكاييله المختلفة، ألا يرى هذا الظلم الفادح وهذا البغي الفاضح، والاعتداء الصارخ، ألا يحرك ساكناً ويصرخ، ويرفض ويدين ويستنكر، ألا يغضب للقيم والمبادئ والمثل، ألا يثور للحق والعدالة والمساواة، أم تراه شريكٌ مع العدو في جرائمه، وموافقٌ معه على تقوم به مجموعاته وعصاباته الاستيطانية.
أم أننا نحن بلهاء وسفهاءٌ وعقلنا مخربٌ إذ نجرب المجرب، فهل يعقل أن ننتظر من المجتمع الدولي موقفاً، ونتوقع منه عدلاً، ونتخيل أنه سينتصر لنا وسيقف إلى جانبنا، وسيقول للمستوطنين الإسرائيليين وحكومتهم، توقفوا عن غيكم، وامتنعوا عن ظلمكم، وكفوا عن الاعتداء على غيركم واغتصاب حقوقهم.
نتساءل ما العمل مع هذا المجتمع الدولي المزيف بدوله والخرِب بقيمه، إذ انقلبت المعايير وتغيرت الأحوال ودنا آخر الزمان، وأصبح فيه القط طاهياً للحم، والحمار مستشاراً للرأي، والفيل راقصاً للحبل، فهل نأمل منهم أو فيهم بعد ذلك خيراً أو نرجو منهم نصراً وتأييداً.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
استانبول في 14/11/2017
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected]