عندما نتحدث عن إسرائيل فنحن نتحدث عن سرطان ينتشر في شوارع فلسطين التاريخية . نتحدث عن شبح في كل بيت مهجور أو منكوب . نتحدث عن يد خفية تلعب في الظلام لتفرق بين الناس . من الطبيعي جدا أننا نعلم أن إسرائيل لا تريد مصالحة بين الفلسطينيين . ولكن يجب أن نعلم لماذا إسرائيل قلقة جدا هذه المرة من المصالحة . ولماذا إختارت هذا التوقيت بالذات لتهدد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية "محمود عباس" بحجب المساعدات المادية عن السلطة إذا ما إلتزمت السلطة بدفع رواتب لموظفين حركة حماس ؟ لأن إسرائيل تنظر إلى المشهد الفلسطيني بنظرة ذات عمق وتفصيل وتحليل وبعد طويل . ومن خلال هذه النظرة ترى ان المشهد الفلسطيني في ظل أجواء المصالحة يسير في عدة خطوط متوازية . وهي تصب في المصلحة العامة للفلسطينيين . ومن أهم هذه الخطوط أن مصر تقف بثقلها داعمة للمصالحة وهي الآن قريبة جدا من الفلسطينيين بحكم الجوار والقضية المشتركة والهم الواحد . وأيضا موقف سويسرا الإيجابي من خلال الدعم المادي الذي سيحصن موقف المصالحة . وأيضا توحيد غزة والضفة في ظل المصالحة . وأشياء كثيرة إيجابية تسير في خطوط متوازية في مسار المصالحة . ولكن هذا الترتيب المنظم والتوافق الفلسطيني بكل ألوان الطيف سيشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل . إن إسرائيل تنظر إلى الملف الفلسطيني نظرة أمنية بإمتياز . وكل ما يهمها في الموضوع هو الحفاظ على أمنها سواء بطريق الحرب أو السلام . وقد ترى إسرائيل أن هناك عدة نقاط قد تحدث نتيجة المصالحة وهي ليس لصالح إسرائيل .
أولا : عندما كانت حماس تحكم غزة طوال عشر سنوات كانت حماس تسعى إلى مشروع دولة غزة . وهذا المشروع يترتب عليه تحويل المقاومة إلى ردات فعل فقط وخاصة بعد الحرب الأخيرة . أصبحت إسرائيل تنعم بأمن وأمان لم تنعم به من قبل بسبب أن حماس لا تريد الحرب بقدر ما تريد الحفاظ على وجودها في غزة كدولة مستقلة وبعيدة عن السلطة ورام الله . وفي وجود مصالحة وسلطة في غزة قد تتحول حماس إلى مقاومة بهدف التخريب على حكومة الوفاق . وهذا ما تخشاه إسرائيل من المصالحة . عندما تفقد حماس سيطرتها على غزة ستتجه إلى ضرب إسرائيل . وخاصة بعد الشعور بالخسارة السياسية .
ثانيا : الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة تتمسك بهدنة وهمية وهشة لأنها محكومة بقبضة حديدية أمنية من حماس في غزة . وفي حال سلمت حماس غزة إلى السلطة وحكومة الوفاق ستخرج هذه الفصائل من قبضة حماس . وسيكون لها الحرية في ضرب إسرائيل متى تريد . فلا أعتقد أن حكومة الوفاق ستستطيع أن تسيطر على جميع الفصائل . وإسرائيل ترى أن خروج الفصائل من قبضة حماس سيهدد أمنها .
ثالثا : الوحدة المادية والمعنوية بين غزة والضفة ستقوي شوكة الرئيس أبو مازن . وتدعم من موقفه في المجتمع الدولي والأمم المتحدة . وهذه الإمتيازات التي سيتحصن بها أبو مازن ستشكل خطرا سياسيا على مواقف إسرائيل ضد السلطة والدولة الفلسطينية . وأيضا سيتوجه أبو مازن بقوة لفضح إسرائيل وإنتهاكاتها في كل المحافل الدولية .
رابعا : المصالحة ستؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية أو إجراء إنتخابات تشريعية ورئاسية . وأيضا إنتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني . وفي كل الأحوال سيجتمع القرار الفلسطيني تحت سقف واحد . وهذا ليس لصالح إسرائيل طبعا . وإسرائيل تعلم أن حركة فتح ستتجه إلى خيارات وطنية ليس لها إرتباط بمشروع أوسلوا . وستعيد ترتيب اوراقها من جديد .
إن الأيام القادمة ستكون حاسمة في المسار الفلسطيني ما بعد المصالحة . والسيناريوهات القادمة ستكتب على قاعدة أن إسرائيل لا تريد السلام . وهذه الأسباب كافية بأن إسرائيل تريد إفشال المصالحة للحفاظ على نفوذها السياسي .
الكاتب الصحفي : أشرف صالح