إلى الفصائل الفلسطينية التي ستجتمع في القاهرة الثلاثاء المقبل (21/11/2017)

بقلم: أيوب عثمان

بعد سنوات زادت عن العشر من الانقسام والقطيعة وتعطيل مختلف مناحي الحياة، وبعد أن ظل تراشق الاتهامات يأكل منا ومن حقنا ومن قضيتنا ويعيب شعبنا ويشكل إهانة لشهدائه ويسفه نضاله ويسخف مقاومته،

وبعد أن حلت حركة حماس لجنتها الإدارية التي ظلت ذريعة للرئيس عباس الذي ظل يؤكد جهوزيته رفع مختلف العقوبات في اليوم التالي لحل حماس لجنتها الإدارية، وهو ما لم يف، حتى اللحظة، به،

وبعد أن انهالت على حركة حماس مختلف المدائح لسدها الذرائع لمجرد حلها للجنة الإدارية،

وحيث إن حكومة التوافق الوطني والسلطة الرئاسية التي تعلوها لم تقم أي منهما بأي خطوة ولو صغيرة أو جزئية تُحسب لها في مسار إنهاء الانقسام دعماً للمصالحة من حيث رواتب الموظفين والخصم منها 30% - 55% ، أو إلغاء إجراءات التقاعد المبكر أو حتى تجميدها، أو إنجاز فعل يلمسه الناس في مجال الكهرباء أو نحو ذلك،

وحيث شعر شعبنا بالمماطلة والمراوغة - لا سيما بعد أن كان قد احتواه الفرح والاستبشار والأمل - إذ لا شيء قد تحقق أو تغير، على الرغم من مرور نحو شهرين على حل حماس لجنتها الإدارية، ومرور نحو شهر ونصف على استلام حكومة الوفاق الوطني للوزارات والمؤسسات العامة في قطاع غزة، ومرور أكثر من شهر على توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة،

وحيث إن نشاط حكومة الحمد الله (التوافق الوطني) التي هي حكومة وصفها الرئيس بأنها حكومته – لم يتعدّ استلامها للوزارات والمعابر والمؤسسات بعد أن لم تغادرها حركة حماس فحسب، وإنما قدمت للحكومة كل سبل التيسير لاستلامها، أيضاً،

وحيث إن اجتماع الفصائل المقرر عقده الأسبوع المقبل، وتحديداً يوم الثلاثاء 21/11/2017 وفق اتفاق المصالحة الذي أبرم في القاهرة بتاريخ 12/10/2017 قد تمت الدعوة إليه بالفعل، الأمر الذي يعني أن حكومة الحمد الله قد تحقق لها ما مكَّنها من قطاع غزة الذي بات من

أولويات مسؤولياتها، المبَاشرةُ – دون إبطاء أو مماطلة – يحل مشكلاته بدءاً بالكهرباء ووقف الخصم من الرواتب وتجميد إجراءات التقاعد المبكر و...إلخ،

فقد جال بخاطري أن أُذكر الفصائل التي ستلتئم في القاهرة يوم الثلاثاء المقبل (21/11/2017) بما تعنيه المصالحة، كما يريدها وكما يفهمها شعبنا، وهي على النحو الآتي:

(1) المصالحة ليست قُبلاً وصوراً وابتسامات تخفي وراءها إقصاءً واستئثاراً ومحاصصة واستحواذاً وثنائيات، ذلك أن ابتسامات السياسيين لا تعني بالضرورة التفاؤل والتصالح والاتفاق، كما رأينا،

(2) المصالحة لا تعني إبقاء العقوبات التي فرضها الرئيس ظلماً وعلى غير قانون، ولا تعني الإبقاء على مآسي الموظفين من حيث الخصم من الرواتب والتقاعد والتقاعد المبكر، وإنما المصالحة تعني إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانقسام والتعامل مع الموظفين حسب القانون.

(3) المصالحة لا تعني مجرد استلام حكومة التوافق الوزارات والمؤسسات، وإنما تعني قيام هذه الحكومة بمهامها واضطلاعها بكامل مسؤولياتها.

(4) المصالحة لا تعني مباغتة طرف للطرف الآخر بمطالب جديدة، وإنما تعني الالتزام بما تم الاتفاق عليه دونما خروج على نصوصه أو الإتيان بتفسيرات أو تأويلات جديدة تخرجها عن مقاصدها بغية تصعيد الأزمة من جديد حيث يبدأ طرف باتهام الآخر بعدم استجابته لمتطلبات المصالحة،

(5) المصالحة لا تعني الاختلاف في الهدف أو الاتجاه أبداً، ذلك أن الاختلاف في الاتجاه أو الهدف يفقد طرفيّ المصالحة كل شيء يمكن أن يقام عليه مشروع وني فلسطيني جامع.

(6) المصالحة لا تعني أبداً شراكة الاضطرار والضرورة، وإنما تعني شراكة الرغبة والاندفاع الوطني نحو الواجب، ذلك أن شراكة الضرورة والاضطرار ليست شراكة راسخة بل من اليسر فسخها وقتما شعر طرف من أطراف الشراكة بإمكانية استغنائه عن الطرف الآخر حين توفر بديل عنه.

(7) المصالحة سبيل أو ممر طبيعي يفضي إلى التوافق على المرجعيات والتوافق على الثوابت التي في صدارتها ضرورة التوافق على الإجابة عن سؤال "من هي فلسطين؟"

(8) المصالحة لا تعني أبداً أن تبقى منظمة التحرير الفلسطينية مفرغة – كما الآن حالها – من تاريخها ومن مضمونها النضالي والثوري، ولكنها تعني أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية قائداً لا مقوداً – كما هي الآن – وأن تعاد هيكلتها ويعاد تفعيلها بغية إصلاحها لتعود مرة أخرى معبرة عن الهم النضالي والوطني الثوري للشعب الفلسطيني.

(9) المصالحة لا تعني أن يبقى المجلس التشريعي معطلاً، وإنما تعني أن يعاد على الفور تفعيله، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة.

(10) المصالحة لا تعني أن يستفيد طرف من أي بيئة خارجية على حساب الطرف الآخر.

(11) المصالحة الحقيقية الجادة لا تعني توافق طرفيّ المصالحة في القول مع الاختلاف والتضاد في الفعل، وإنما تعني التطابق والانسجام بين القول والفعل.

(12) المصالحة لا تعني الإبقاء على الحصار، وإنما تعني على الفور رفعه، لا سيما الحصار المفروض من الرئيس منذ سنوات.

(13) المصالحة ليست كلمة تقال فتسر الشعب والسامعين، وإنما هي فعل ناتج عن رغبة وجدية طرفيّ الانقسام في إنهائة، كما أنها نتاج عملهما المتصل والمشترك لرفض أي مؤثرات خارجية تحول دون تحقيقها.

(14) المصالحة لا تعني استمرار الحصار واستمرار العقوبات، وإنما تعني إنهاء الحصار ورفع العقوبات بمجرد زيارة الحكومة لقطاع غزة وتسلمها الوزارات من حركة حماس، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة، كما أنها تعني رفع العقوبات التي أكد الرئيس أنه جاهز لرفعها في اليوم التالي لحل حماس لجنتها الإدارية ثم حين انزلق عن تأكيده حانثاً بوعده عاد ليقول إنه لن يرفع العقوبات إلا بعد توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة، وهو وعد آخر لم يف به، حتى اللحظة، ثم عاد ليقول على الفضائية المصرية:"أنا مش مستعجل"، وهو أمر شائن ومعيب.

(15) المصالحة تعني وقف الاعتقالات والاستدعاءات وإطلاق سراح السجناء السياسيين وسجناء الرأي سواء في الضفة أو غزة.

(16) المصالحة لا تعني استمرار التنسيق الأمني، خلافاً لمطالب كل القوى والفصائل، وخلافاً لقرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الصادر في مارس 2015، كما أن المصالحة لا تعني، أبداً، ارتفاع أصوات متنفذة تروج للتنسيق الأمني وتقول إن التنسيق الأمني في الضفة سوف ينقل أيضاً إلى غزة، فالتنسيق الأمني جريمة كبرى وربما أكثر من ذلك بكثير.

(17) المصالحة ليست كلمة من اليسير قولها، ولكنها وصف لمرحلة مهمة وخطيرة نحن على أمل أن يكون الطرفان المتخاصمان/ المتصالحان قد بدءا يستشعران فيها الخطر، الأمر الذي يجب أن يدفعهما إلى توجيه الخلاف والاختلاف بينهما نحو خلق منهجية تصالحية حقيقية من التوافق والاتفاق بدل منهجة عدائية صدامية من الخلاف والتنافر والاختلاف.

(18) إن المصالحة هي السعي السلمي التوافقي المشترك في اتجاه تخطي الماضي بسلبياته وتجاوز كل عوائقه وإلغائها لتصويب كل ما نجم عنها من مظالم وأخطاء مع مغادرة تامة ونهائية لسبل معالجة الخلاف بالمواجهة أو بالمخادعة إلى سبل المعالجة بالهدوء والتوافق والحس الوطني والعقلانية.

(19) إن المصالحة لن تنجح أبداً إذا طغى فيها شعور بأن هناك من هو غالب منتصر ومن هو مغلوب منكسر، الأمر الذي يحتم ضرورة الانطلاق نحو المصالحة من الشعور الوطني الخالص المتسع لا من الشعور الحزبي/ الفصائلي الضيق.

(20) إن المصالحة لا تتم ولن تنجر ولن تكون دون توافق وطني حول حقيقة خلافنا الداخلي وحقيقة صراعنا مع المحتل الصهيوني، وإلا إذا آمن المتوافقون على المصالحة وأيقنوا على نحو لا مخادعة فيه أن هذه المصالحة إنما هي خطوة في بداية مشروع وطني ذي أمد طويل يقود إلى هزيمة الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال.

وبعد، فانطلاقا من وطنية شعبنا وانتمائه الحقيقي لوطنه فلسطين (الأرض والتاريخ والهوية) فإننا نفهم تماماً وندرك يقيناً أن المصالحة الحقيقية لا تعني أبداً التسليم بشروط الرباعية، كما أنها لا تعني، ولا يمكن أن تعني، في أي حال من الأحوال، نزع سلاح المقاومة التي لا علاقة لها بإدارة السلطة التي اعترف رئيسها غير مرة أنها سلطة بلا سلطة، كما أن المصالحة الحقيقية، لا يمكن أن تعني اندراج المقاومة أو إدراجها تحت سقف أي فرائض أمنية مثل التنسيق الأمني أو تحت أي التزامات سياسية جاءت بها اتفاقية أوسلو.

أما آخر الكلام، فإن شعبنا يطالب الفصائل الفلسطينية التي ستجتمع في القاهرة الأسبوع المقبل بما يأتي:

(1) رفع العقوبات على نحو كامل وعاجل.

(2) إنهاء الحصار وفتح معبر رفح فوراً.

(3) اضطلاع حكومة التوافق الوطني بكامل مسؤولياتها دون مزيد من التأجيل والمماطلة.

(4) التوقف عن مطالبات ليس منصوصاً عليها في الاتفاق أو تم تأجيل بحثها لآجال محددة.

(5) حسم كل القضايا على نحو لا يسمح بالتفسيرات والتأويلات، خاصة فيما يتعلق بأرزاق الناس ومستقبل حياتهم وأبنائهم.

(6) التوقف عن التلاعب بأعصاب الموظفين الذين حملوا عبء قطاع غزة في كل مجال خلال السنوات العشر الماضية.

(7) تفعيل المجلس التشريعي على نحو عاجل.

(8) التأكيد على التمسك بسلاح المقاومة طالما بقي الاحتلال، وهو ما تكفله كل القوانين وكل الشرائع وحتى كل الطبائع السليمة.

(9) الإدراك اليقيني للقيمة العليا لبيت الشعر القائل:

لم يدخل الأعداء من حدودنا           لكنهم تسربوا كالنمل من عيوبنا

 

بقلم الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

رئيس "جمعية أساتذة الجامعات - فلسطين"