ابا يعقوب الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ، ابن الأرض البسيط منحاز بطبيعته للفقراء وللوطن والحرية والاستقلال والتقدم والديمقراطية، غادرنا قبل ان نصل لنهاية الطريق والذي باستشهاده واستشهاد القادة العظام الامناء العامون ابو العباس وابو احمد حلب والقادة فؤاد زيدان وحفظي قاسم وسعيد اليوسف وابو العز وجهاد حمو أناروا لنا الدرب وعبدوه وسيكمل أبناء الشعب الفلسطيني مسيرتهم حتى تحقيق الحرية والنصر.
ترك طلعت يعقوب بصماته واضحة على مسار قضيته فلسطين، مشاعر تخلو من حسابات ومعايير السياسة ومعاركها، فنحن اليوم في ذكراه السنوية التاسعة والعشرون نفتقد مناضلا مثابرا، وقائدا وسياسيا كرّس شبابه وعمره كله في النضال ومقاومة الاحتلال الصهيوني وفي خدمة قضايا وطنه وشعبه، نفتقد قائدا كان حتى الامس يشكل ركنا حيا من اركان الرواية الفلسطينية بطبعتها المعاصرة.
أمضي ابو يعقوب مسيرة نضالية طويلة وشاقة، لم تخلِ من التناقضات ، حيث تمتع بفكر وقدرة على التحليل العلمي والسياسي، وعطاء كفاحي بطولي، فانتصر من أجل فلسطين التي مثلت لدى طلعت الأم التي لا يكبر حبها أحد.
مثل هذا القائد عشقه للوطن والثورة وواصل مسيرة العطاء التي وهب نفسه لها، هذه المسيرة التي يجهلها العديد من أبناء هذا الوطن، كما يجهلها العديد من أبناء هذه الأمة.
رسم طلعت يعقوب مع رفيق دربه ابو العباس تاريخ مشرق عندما تكاتفت اياديهم في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر معلنين اعادة اللحمة لجبهة التحرير الفلسطينية والتمسك باهداف شعبنا وحقوقه الوطنية الشرعية وعلى استعداده الدائم والثابت للنضال من أجل حريته واستقلاله ، فهؤلاء قادة تعملقوا نجوما في سماء الوطن، لم يعشقوا سوى فلسطين الوطن والانتماء، ترفعوا عن ثقافة التعصب والحقد، وزرعوا أشجار الوطنية لتنبت في صحاري قاحلة قوافل الشهداء.
لقد اضاف القائد طلعت يعقوب حالة انسانية ونضالية وطنية وتقدمية مميزة طوال حياته ونال احترام وتقدير من يتفق او يختلف معه على مستوى الجبهة والحركة الوطنية الفلسطينية وحركة التحرر العربية، لقد تميز بالصراحة والالتزام الدائم بالمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا وبما يراه صائبا وصحيحا دون ان يجعل من رأيه وموقفه معيارا وحيدا للحقيقة او شرطا عليها وبقي طوال حياته حريصا ووفيا لوحدة شعبه وحريته واستقلاله .
شكل طلعت يعقوب شخصية كارزمية لعبت دور حاسم في تقريب الآراء وتوحيد الصف وتحديد الوجهة لموقف وسياسة جبهة التحرير الفلسطينية من القضايا ، واستشهد وهو يساهم من موقعه القيادي بكل جهد مثابرة في الصياغة النهائية لاستعادة لحمة الجبهة .
وقد دفع دوره الريادي لاستكمال مشواره النضالي من قبل الشهيد القائد الامين العام للجبهة ابو العباس بمتابعة الوفاء لمسيرته حتى غايتها المنشودة، من موقعه الفكري والسياسي والتنظيمي والنضالي ، مؤمنا بوحدة الشعب الفلسطيني وبوحدة قواه الوطنية واعتبرها شرطا أساسيا لازما للانتصار، هذه القناعة الفكرية والسياسية حفظت للشهيد القائد ابو العباس موقعا خاصا بين أبناء شعبه وقواه السياسية نتيجة للدور الموحد الذي لعبه في منعطفات الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني الحادة، وتجلى هذا في انشداده الدائم لقضايا الاتفاق وتنوير زوايا موضوعات الخلاف،فبرز ذلك بخاصة في المجالس الوطنية في مواقفه السياسية ، ومن منطلق الحرص على وحدة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد، والحرص على تصويب سياساتها، وليست خلق بدائل عنها او اضعافها او اضعاف دورها او الأضرار بتمثيلها، وكان دائما يبحث عن الفرصة الملائمة لاستعادة الوحدة وتوطيدها، حتى نالت منه يد الغدر في اقبية الزنازين الامريكية الغازية للعراق.
هذا النهج الوحدوي الوطني للقائد الشهيد طلعت يعقوب وجبهة التحرير الفلسطينية الذي كان الراسخ في فكره وممارسته والذي بقي وفيا له حتى ساعة استشهاده في المجلس الوطني دورة اعلان الاستقلال في الجزائر، حفظ له موقعه الخاص والمميز بين رفاقه وبين مناضلي الحركة الوطنية الفلسطينية وأبناء شعبه عامة،ومثلت العلاقة الجدلية بين الوطن الفلسطيني والقومي العربي مكونا رئيسيا في فكر وممارسة الشهيد طلعت يعقوب من موقع ايمانه بالأمة العربية .
اليوم نقف في الذكرى السنوية لرحيل ابا يعقوب لنؤكد ان المصلحة العليا للشعب الفلسطيني هي الاساس ، وهذا يستدعي تمكين العلاقة والتكامل الكفاحي بين الحركة الوطنية الفلسطينية والقوى السياسية الشعبية العربية، والوقوف بحزم ضد أي محاولات للمساس بأسس هذه العلاقة الجدلية، يكون بالتصدي لمحاولات احتواء الحركة الوطنية الفلسطينية أو توظيفها في خدمة تكتيكات هذا النظام او ذاك من جهة, او النزاعات الاقليمية الضارة ، لأن قضية فلسطين ومقاومة الاحتلال يستدعي الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام وتطبيق اليات اتفاق المصالحة والبحث عن الصيغ الممكنة والمناسبة لقيادة الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله ومقاومته الوطنية.
ختاما: لا بد من القول، ان طلعت يعقوب سيبقى اسما شامخا من الرموز المجيدة في مسيرة النضال الوطني ومن شموعها المضيئة، وستظل ذكراه عطرة طالما حيينا.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي