يؤكد التوجه الصهيوني نحو تمديد عمل مفاعل «ديمونا» النووي حتى العام 2040، إصرار كيان العدو على امتلاك السلاح النووي واستمرار المرض والموت المُحدق بالفلسطينيين، في الوقت الذي يطالب فيه السواد الأعظم من المجتمع الدولي بالتخلص من هذا السلاح وغيره من أسلحة التدمير الشامل.
في خمسينيات القرن الماضي، لجأ الاحتلال الصهيوني إلى تنفيذ مخططاته الاستراتيجية لامتلاك السلاح النووي وأنشأ مفاعل «ديمونا» في صحراء النقب، معلناً وقتها أن الهدف منه توفير الطاقة لمنشآت تعمل على استصلاح منطقة النقب والاستفادة الاقتصادية منها بعيدًا عن أي هدف سياسي، وفقاً لبيان رئيس الوزراء الصهيوني حينذاك ديفيد بن غوريون، غير أن الحقيقة كانت عكس ذلك تماما حيث الهدف كان وما زال استخدام المفاعل قوة عسكرية في أي مواجهة قادمة، كما استطاع الاحتلال من خلال هذا المفاعل إنتاج كميات من البلوتونيوم تكفي لتصنيع ما يصل إلى مئتي رأس نووي وفق مصادر متعددة.
أبقى العدو الصهيوني أمر المفاعل سريا حتى العام 1986، لأنه لم يستطع نفي ما أعلن عنه الخبير النووي السابق في هذا المفاعل مردخاي فعنونو من صور ومعلومات عن القدرات النووية الصهيونية، واعتبره جاسوساً وخائناً وقضى بمعاقبته بالسجن 18 عاماً، كون المعلومات التي سربها كانت سببا بإقرار خبراء نوويين في الكيان الصهيوني بوجود قدرات نووية لديه، ما يفرض عليه كشف حقيقة عمله وإخضاعه للرقابة.
راهناً أكد أحد مؤسسي المفاعل، عدم وجود شفافية كافية، فيما يتعلق بعمل اللجان المختصة بفحص المفاعل، مشيراً إلى أن تمديد عمله يتطلب موارد كبيرة، وأضاف: إن الكثير من المفاعلات المشابهة لهذا المفاعل في فرنسا والسويد وكوريا الجنوبية وأسبانيا، تم إغلاقها.
حتى الآن لم يصدق الكيان الصهيوني على معاهدة «الحظر الشامل للتجارب النووية»، التي وقعها في العام 1996، والسبب وفق ما نقله الإعلام الصهيوني عن رئيس الحكومة الصهيوني، بنيامين نتنياهو: «أن إسرائيل تدعم المعاهدة وأهدافها ولذلك وقعت عليها، أما قضية التصديق فهي متعلقة بالسياق الإقليمي وبالتوقيت الملائم»، في إشارة واضحة لاستمرار سياسة التكتيم على قدراته النووية كورقة ضغط على العرب لإرهابهم مما يملك، وبذريعة حماية نفسه.
«القناة العاشرة» الصهيونية، قالت في تحقيق تلفزيوني بعنوان «السر المعتم: فرن ديمونا»: إن «عشرات الضحايا قدموا صرخة إلى العالم، مؤكدين أن إسرائيل تركتهم فريسة لأمراض السرطان التي هاجمتهم بفعل عملهم في المفاعل، وأنها لم تحترم إنسانيتهم، وعندها لم يكن من البروفيسور عوزي إيفن، أحد مؤسسي المفاعل، إلا أن دعا إلى إغلاقه لأنه قد يتحول إلى خطر بيئي بعد انتهاء مدة صلاحيته، والتي قُدرت بـ40 عاماً من وقت إنشائه».
وبالفعل كشف فحص للمفاعل العام 2015 وجود أكثر من 1537 عطلاً فيه، ما يُشير إلى خطره الكبير على الموظفين العاملين فيه والسكان المحيطين به وخاصة في النقب، لكن سلطات الاحتلال الصهيوني لا تُلقي بالًا لتلك التهديدات بل تتعمد التكتيم التام على أي معلومات تُفيد بأخطار المفاعل، وخاصة بعد أن انتهت مدة صلاحيته، وتزايدت المطالبات العربية والدولية بإغلاقه تحسباً لأي انفجار قد يؤدي إلى كارثة على المستوى الإنساني والبيئي.
تؤكد دراسة للعالم الأميركي أفنير بنجوش الذي عمل في جامعة بن غوريون بكيان الاحتلال العامين 2010 – 2011 أن التسريبات النووية وصلت إلى حدود المياه الجوفية الليبية وإلى حدود المياه الجوفية السعودية في تبوك.
وفي هذا السياق يقول نائب رئيس قسم الشرق الأوسط في هيئة الأطباء الدوليين للحماية من الحرب النووية المعروفة بـIPPNW محمود سعادة: «إن المخلفات النووية التي عمدت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى دفنها في الأراضي الفلسطينية، سواء في الضفة الغربية أو سابقًا في قطاع غزة وجنوب فلسطين، أدت إلى تلوث المياه الجوفية».
وكشف أن التسريبات النووية، التي وصلت إلى حدود ليبيا والسعودية كما طالت الأردن، كان سببها انتهاء العمر الافتراضي للمفاعل الذي أُنشئ في العام 1956 وإطلاقه إشعاعات في المنطقة أثرت على الحياة النباتية والحيوانية هناك، وبيَّن أن أكثر المناطق تعرضًا للإشعاعات النووية الكرك ومأدبا والطفيلة في الأردن، إضافة لجنوب الضفة الغربية وخاصة منطقة بني نعيم والظاهرية ويطا، ومناطق بئر السبع كديمونة، ريمون، ومنطقة عراد.
في العام 2040 سيبلغ مفاعل «ديمونا» النووي الصهيوني من العمر ثمانين عاماً، علماً بأنه وعند تأسيسه أشير إلى وجوب إغلاقه عند «بلوغه سن الـ40»، فماذا ينتظر المجتمع الدولي حتى يعاقب الكيان الصهيوني ويمنعه من ارتكاب كارثة نووية لا تبقي و لا تذر؟
بقلم/ نعيم ابراهيم