صبحي الشحروري هو احد أبرز وجوه النهضة الادبية والثقافية الفلسطينية في المناطق المحتلة العام ١٩٦٧، وهو حالة ثقافية ومدرسة نقدية ساهمت في تطوير واثراء الأدب الفلسطيني ، فقد عرفته ساحات وميادين الابداع في مجالات القصة والرواية ، وعرفته صوتاً نقدياً قوياً وشجاعاً لا يعرف المجاملة والتزلف ، ولم يخش غضب احد من الكتاب والمبدعين ، ولا يختار النص لرغبة في الكتابة ، وانما يختار المميز ، ولا يلصق نصه بعناوين غريبة كما يفعل الكثير من النقاد والدارسين والباحثين ليتفاخروا بالمنهجية ، بل يمازج بينهما ويقرب الواحد من الثاني ، وتعتبر دراسته عن جدارية محمود درويش في مجلة " الشعراء " الفلسطينية التي كانت تصدر في رام الله الا نموذجاً للنقد الذي يكتبه الشحروري " أبو نضال " .
صبحي شحروري من مواليد قرية بلعا قضاء طولكرم سنة ١٩٣٤ ، انهى دراسته الابتدائية في قريته وكان من الطلاب الأذكياء المتفوقين ، وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة بنجاح ، التحق بجامعة دمشق ، ونال على الاجازة في الفلسفة ، ثم عمل مدرساً في بلده وفي طولكرم .
بدأ الكتابة سنة ١٩٥٥، وكتب القصة القصيرة ونشر كتاباته في صحيفة " الجهاد " وبعض الصحف اللبنانية ، ومن قصصه الأولى " الزامور ، سلة تين ، رأس الشيخ والقطار " ، وهذه القصص كتبت بوعي فني متقدم ، ولغة جميلة رصينة ، عميقة بعيدة عن المباشرة والتسطيح ، وتدل على مخزون ثقافي ومعرفي وفير . وفي منتصف الخمسينات نشر في مجلة " الآداب " اللبنانية ، وفي مجلة " الأفق الجديد " التي صدرت في العام ١٩٦١وكان واحداً من مؤسسيها وابرز كتابها ، وله اياد بيضاء وبصمات واضحة في الادب ، وحضور بين المثقفين والمبدعين والأدباء في سائر أقطار وطننا العربي الكبير .
عرفت صبحي الشحروري وتقريته في السبعينات من القرن الماضي من خلال مجلة " البيادر " الأدبية التي أسسها جاك خزمو ، ولعبت دوراً ثقافياً وريادياً في نشر الأدب الفلسطيني والنهوض بالحركة الثقافية الفلسطينية تحت حراب الاحتلال . وكانت لكتاباته وآرائه النقدية موضع ثقة واحترام وتقدير لدى أهل الثقافة والأدب وأصحاب القلم .
وكنت تعرفت على صبحي شحروري شخصياً في احد زياراتي لمدينة طولكرم في اوائل الثمانينات برفقة الصديقين الشاعرين عبد الناصر صالح وعبد الحكيم سمارة .
صبحي الشحروري مثقف من طراز خاص لا يتكرر ، وهو شغوف الى حد العشق والتقديس بالقراءة الكثيفة منذ خمسينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا ، وعرف بغزارة الانتاج والابداع ، وتحول قبل اكثر من اربعين عاماً الى النقد الادبي ، وله ١٥ كتاباً في فن القصة والرواية ، ومنها اريعة كتب في نقد الشعر المحلي ، وشعر الشتات الفلسطيني والسرديات ، وما زال مستمراً في العطاء .
يقول عنه الشاعر يوسف محمود من قرية " عنزة " قضاء جنين : " صبحي شحروري صوت نقدي متماسك وشجاع بحق ، وهو كاتب ذو تجربة لا يتورع عن قول رأيه ، وذلك عائد الى ثقته العالية بنفسه لكن دون تيه أو عجب ، ودون اية مظاهر ،
فهو لا يتكبر ولا يستثمر ، بل ظل كما هو الانسان العادي والفلاح البسيط ، يزعجه حفظة العناوين واصحاب الرؤى المثلجة ، فهؤلاء لا يستطيع السكوت عنهم ، لأنه لا داعي للزيف والكذب ولا داعي اطلاقاً للادعاء ، وكأي مثقف حقيقي يدرك مدى اتساع بحر المعرفة الذي لا ساحل له ، فعندئذ لا يطيق من يأتي ويقدم نفسه على أنه أكبر من بحر بلا ساحل ، لأنه في ذلك بلوى بلا ساحل " .
صبحي شحروري من اعلام ثقافتنا المعاصرة ، واحد أهم رموز الحركة الثقافية الفلسطينية ، سبق جيل " الأفق الجديد "في الكتابة الأدبية الابداعية ، ويستحق التقدير والتكريم والوفاء .
وهو اليوم شاخ وهرم وفي الثالثة والثمانين من عمره الحافل بالعطاء الذي لا يجف ، ومن هنا نبعث للشحروري المثقف المبدع ، القاص ، الروائي ، الناقد ، الانسان ، تحية حب مع التمنيات له بطول العمر والحياة ، ليبق عقداً ثقافياً على صدر الوطن ، والمزيد من العطاءات والاصدارات .
بقلم : شاكر فريد حسن