المصالحة الوطنية , لن تستقيم الا بتحقيق الشراكة بين أبناء الوطن الواحد والهموم المشتركة , والمصالحة التي لا تعالج سبب الإنقسام والفرقة , ستقود إلى شكل جديد من الإنقسام وربما أكثر حدة وأفظع تأثير , لذا كان من الضروري أن يتم معالجة كافة الملفات بعقلية الحريص على مصلحة الوطن والقضية , وأن تتم معالجة كافة الإشكاليات بروح الوحدة والإيمان بالشراكة الوطنية , فالصراع الداخلي ليس هناك غالب أو مغلوب , وبتحقيق الوحدة ورص الصفوف وترسيخ الوئام والتفاهم , في هذه الحالة يكون الجميع رابحاً والوطن سالماً والقضية محصنة .
التصريحات الأخيرة لأقطاب السلطة ووزراء الحكومة , تكشف عن عدم الفهم لطبيعة المصالحة الوطنية , ونقص الإيمان بأهمية مسارها الوطني المجدي والأكثر نفعاً للقضية الفلسطينية, والحصر على الإستحواذ بالسلطة والمؤسسات العامة , فبعد سنوات الإنقسام الكئيبة في المشهد الفلسطيني , لابد أن نعمل على ترسيخ الوحدة والشراكة الحقيقية , دون إقصاء أو تفرد لأي مكون سياسي فلسطيني , ولذا تناول الإنقسام الفلسطيني ومسبباته , التي كان أهمها عدم القبول بنتائج الإنتخابات العامة يناير 2006م , نرى أن العلاج الوطني هو بإنتاج رؤية وطنية شاملة , ينطوي تحت رايتها الكل الفلسطيني ,وهذا يتطلب بحث ملف منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها ,ودمج كافة الفصائل الفلسطينية في مؤسساتها المتعددة , لتكون مظلة للجميع .
هذا مسلك المهم في بناء النظام السياسي الفلسطيني وتوحيده تم تجاوزه - من قبل فريق السلطة وحركة فتح في حوارات القاهرة الأخيرة- أو تأجيله وربما تحصينه من أي نقاشات حقيقية تسعى إلى تصليب الموقف الوطني الفلسطيني وتعزيزه في مواجهة الإحتلال وخاصة إذ ما سبحت منظمة التحرير إعترافها ب "إسرائيل" , وأعادت المنظمة الإعتبار لخيارات الكفاح المسلح كنهج تحرري , تسعى من خلاله تحقيق تطلعات وآمال شعبنا بالحرية والإستقلال.
الحديث المتكرر عن التمكين للحكومة في قطاع غزة , بعد تسلمها للوزارات والمعابر , هو تهرب من الإستحقاقات والإلتزامات الحكومية اتجاه لأهالي قطاع غزة , لذا يتم ربط رفع العقوبات الجائرة ضد المرضى والمواطنين والموظفين , بما يطلق عليه التمكين للحكومة , ألا تعلم الحكومة ورئيسها ووزرائها , أنهم حضروا إلى قطاع غزة بموجب إتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس , ويقع على الحكومة دوراً وطنياً تاريخياً لتسهيل إتمام المصالحة ودمج الموظفين في هياكل الحكومة وفتح المعابر والجهوزية الكاملة لإدارتها , والقيام بواجباتها لكي يشعر المواطن في غزة بأهمية المصالحة وأثرها على الحياة اليومية , وإذا لم تستطيع حكومة الحمد الله أن تقوم بهذه المهمة الوطنية , أليس من الأسلم تشكيل حكومة إنقاذ وطني أو حكومة وحدة وطنية , تدير هذه الفترة الإنتقالية الحساسة وتكون مهمتها ترسيخ المصالحة والوحدة وتهيئة الظروف لإجراء الإنتخابات العامة.
في اعتقادي فأن الحاجز المسمى بالتمكين , هو ساتر للهروب من المصالحة الوطنية , وأن هناك لحظة ما قد تكون بضغط أمريكي أو صهيوني , أو تلويح للسلطة بطُعم الدولة منقوصة السيادة , لتشتري السلطة هذا الوهم ببيعها وحدة الشعب الفلسطيني , وهذا ما يتوقعه المراقبون !.
وهنا تقفز بشكل أوتوماتيكي مسألة سلاح المقاومة , ليجعل فريق السلطة وفتح سلاح المقاومة موضوعاً خلافياً , بحجة السلاح الشرعي الواحد والمقصود به هو سلاح السلطة المفحوص أمنياً , ولا يستطيع أن يرد عن شعبنا أذى بعوضه , ورغم طرح الكثير من المعالجات في ملف سلاح المقاومة , بأنه موجهاً فقط للإحتلال وأن قرار " الحرب " لا يملكه فصيل بعينه , الا أن معاودة طرح موضوع سلاح المقاومة والتشهير به ونفي الشرعية عنه , يشكل العقبة الكؤود التي يتم وضعها في طريق إتمام المصالحة , فهذا السلاح المنضبط و يتحرك وفقاً لرؤية سياسية ومرجعية وإجماع وطني ,ولعل حادثة النفق الأخيرة تكشف للجميع بأن المقاومة الفلسطينية , غادرت مربع رد الفعل الإنفعالي والإرتجالي , إلى سياسة الرد المحكم الذي يرتكز إلى منهجية متكاملة في المقاومة تراعي فيها المصلحة العليا للقضية الوطنية .
وحتى نبني لشعبنا ووطنا وقضيتنا مشروعاً وطنياً يحفظ الحقوق , ويسعى إلى تحرير الوطن وتطهير المقدسات , لا بد من الإصرار على الوحدة بين أبناء الشعب الفلسطيني , والحرص على التماسك الوطني إجتماعياً وسياسياً وإعلامياً , وأن المؤسسات والسلطة والحكومات هي أشكال تنفيذية , هدفها خدمة الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده في أرضه وسياساته , مع ضرورة العمل الجاد والحقيقي على نبذ كافة أشكال الإنقسام والفرقة , وأهمية الإعتزاز بالمقاومة كخيارً تاريخياً ووجدانياً وأصيلاً ووطنياً لشعبنا الفلسطيني في مواجهة الإحتلال الصهيوني.
بقلم/ جبريل عوده