كان مخيم اليرموك ومازال سباقاً في ميدان الثورة والحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. فبُعيد الإنطلاقة المسلحة للثورة الفلسطينية المعاصرة على يد حركة فتح وجناحها العسكري قوات العاصفة، عززت الثورة الناشئة حضورها، بصفقة السلاح الجزائري المعروفة التي إستقرت في البداية في مخيم اليرموك.
الصفقة تمت عن طريق العقيد الطاهر الزبيري رئيس أركان الجيش الجزائري بحضور مسؤول مكتب حركة فتح في الجزائر محمد أبو ميزر الملقب (أبو حاتم) وذلك بدايات العام 1965 وكانت تلك الصفقة أول دفعة عتاد عسكري تصل للثورة الفلسطينية المعاصرة من خارج سوريا، وتم تخزينه ووضعه في مخيم اليرموك، ومن ثم إطلاقه للقواعد الفدائية على يد شبان مخيم اليرموك.
حيث أرسلت الحكومة الجزائرية المعدات والعتاد العسكري باسم الحرس القومي في سوريا لتسليمه لحركة فتح، وكانت الدفعة بوزن اثني عشر طناً من مسدسات شارلينغ البريطانية مع ذخيرتها، ومسدسات طاحونة بلجيكية وفرنسية مع ذخيرتها، وقنابل يدوية هجومية ودفاعية، وألغام مُضادة للأفراد والآليات وبنادق كلاشنكوف، ورشاشات خفيفة دكتريوف، وبنادق (بورسعيد) مصرية الصنع وغيرها.
ودخلت الصفقة الجزائرية إلى سوريا بطائرتي أنطونوف، وهبطتا في مطار المزة العسكري القريب من دمشق في آذار/مارس 1965، وأُفرغت الحمولة في سيارات (زيل 57) العسكرية السورية الروسية الصنع، حيث نُقلت الحمولة إلى مُستودعات الحرس القومي ثم سلمت إلى حركة فتح، وقسم من العتاد جرى تخزينه في مناطق مختلفة من مخيم اليرموك، وقسم إلى منـزل الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) بحي ركن الدين، وقسم إلى معسكر لحركة فتح في غوطة دمشق في قاعدة أقيمت لحركة فتح وقوات العاصفة عام 1965 في منطقة البساتين الواقعة شرق مخيم اليرموك، في المنطقة المعروفة باسم "قناة ترانس" أو مابات يعرف بمنطقة (دف الشوك)، وهو الحي المُسمى حالياً بــ (حي الزهور) القريب من مخيم اليرموك.
لقد حصلت الثورة الفلسطينية على السلاح من سوريا فجر الإعداد للإنطلاقة، وكانت تلك الصفقة الجزائرية أول دفعة عتاد عسكري تصل للثورة الفلسطينية المعاصرة من خارج سوريا، وذَكَرَ تفاصيلها في مذكراته قائد الحرس القومي والجيش الشعبي في سوريا، اللواء محمد إبراهيم العلي (أبو الندى) والمعنونة باسم "حياتي والإعدام" نشر خاص، الجزء الثاني 2003، الفصل الرابع عشر، فلسطين في بيتي ص 327، ص 345.
وبعد تلك الدفعة من العتاد العسكري الجزائري، إنفتحت الأبواب أمام الثورة الفلسطينية المعاصرة للحصول على الدعم العسكري المُباشر من خارج سوريا، وتحديداً من مصر عبد الناصر، والعراق، وليبيا.. بشكلٍ رئيسي. ومن الدول الصديقة، وعلى رأسها جمهورية الصين الشعبية التي كانت الدولة الأولى في العالم التي إعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية عام تأسيسها حيث زارها المرحوم أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1966 بدعوة رسمية، كما كانت الدولة الأولى في العالم التي قدمت السلاح للثورة الفلسطينية بمختلف فصائلها، كما كانت الدولة الأولى في العالم التي إستقبلت الدورات العسكرية الفلسطينية بكلية (نانكين) الحربية منذ العام 1966، وبعد ذلك كوريا الجنوبية وكوبا ويوغسلافيا. وتتالت بعد ذلك عملية الإنفتاح العالمي على الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة من دول الكتلة الشرقية كالإتحاد السوفييتي والمانيا الديمقراطية وبلغاريا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا...
بقلم/ علي بدوان