لبلوغ مهزلة القرن الترامبية، هناك محاولات أميركية لإخضاع الجانب الفلسطيني وتركيعه، عبر الابتزاز والمقايضة، من قبيل ما ذهبت إليه الخارجية الأميركية من إعلانها إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ما لم تدخل السلطة الفلسطينية في مفاوضات سلام جدية مع إسرائيل. ولم تكتف واشنطن بتلك النتيجة المعكوسة، بل بررت قرارها هذا بأن السلطة الفلسطينية خالفت قانوناً أميركياً ينص على أن الفلسطينيين يفقدون الحق في أن تكون لديهم ممثلية في واشنطن، إذا قاموا بدعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وذلك بعد أن توجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى المحكمة الجنائية الدولية لإدانة جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين خلال الحرب على غزة في 2014.
هذه الاشتراطات والقيود الأميركية وغيرها، ليست من قيم "الوسيط النزيه" التي لم تكن يوماً من شيم الولايات المتحدة، في علاقتها بإسرائيل، فإذا كان شرط القبول بإبقاء مكتب المنظمة أن يتوقف الفلسطينيون عن إدانة إسرائيل أو السعي إلى تقديم شكاوى لمحكمة الجنايات الدولية ضد جرائمها، فما هو شرط القبول بصفقة القرن، إن لم يكن عبر المزيد من الطلبات الأميركية المنحازة لإسرائيل دعماً وحماية ودفاعاً عن إسرائيل ومشروعها التهويدي، في سعيهما المشترك إلى إجهاض المشروع الوطني الفلسطيني، لا سيما أن ما يطلب اليوم في هذا المجال من السلطة الفلسطينية ومن كامل فصائل الحركة الوطنية، التخلي عما يتجاوز قدرتها وإمكاناتها على اتخاذ موقف بالنيابة عن كل الشعب الفلسطيني.
وهذا بالطبع ما لا تقره القيم الديموقراطية، أم إن ما تستحقه الشعوب التي تعيش ثقافة الديموقراطية لا يستحقه الشعب الفلسطيني، ولا يحق لقيادته استشارته في ما ستقدم عليه، أم إن ذلك كله مبرر طالما أن المقصود حماية إسرائيل ودعمها والدفاع عن مشروعها التهويدي الاستيطاني، وتوفير كل ما يلزم لبقاء هذا المشروع وتطوره، والتصالح التطبيعي معه على حساب المشروع الوطني الفلسطيني الذي يعني كل المؤمنين بقيم الحرية والعدالة والمساواة والتنوير والحداثة في العالم كله.
ولئــن كانــت صفقة وعد بلفور قد عملت بالكامل لمصلحة إسرائيل، فإن صفقة القرن (الترامبية) الموعودة، سوف تقوم على مقايضة الفلسطينيين على وطنهم الكامل، ولا حل أو حلول أخرى في الأفق.
ماجد الشّيخ
* كاتب فلسطيني