ان أول من أطلق على مصر أم الدنيا هم الغرب الذين أدركوا قيمة مصر وتأثيرها على العالم كله ، فهي أم ومهد الحضارات واقدمها ، وبلد رواد وأعلام النهضة والفكر ، وقلب الوطن العربي النابض ، وأهم قطر عربي على الاطلاق على مر التاريخ .
وقد تبوأت مصر مكانة مرموقة وكانت زعيمة وحامية حمى العرب ابان الحقبة الناصرية ، لكنها خرجت وابتعدت عن الصف العربي بعد معاهدة كامب ديفيد الاستسلامية التي وقعها أنور السادات مع الكيان الاسرائيلي ، وهذه الاتفاقية أذلت مصر وكبلتها وعزلتها عن العالم العربي .
لقد تدهورت حالة مصر القومية والسياسية والاقتصادية منذ وصول السادات للحكم مروراً بحكم حسني مبارك وصولاً الى مرسي والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ، وغدت مصر على هامش الاحداث التي تجتاح العالم العربي بأسره .
لقد انتهج السادات سياسة أدت الى اضعاف الاقتصاد المصري وانهاكه من خلال الانفتاح الاقتصادي على الغرب ، وتدمير الصناعة المصرية والقضاء على الاصلاح الزراعي ، وأدى التحول في ميزان القوى الطبقية الى تصاعد حدة الاستقطاب الاجتماعي ، وأصبح الشعب يعيش في فاقه وحرمان وعوز وفقر مدقع ، ويسكن جزء كبير منه في المقابر .
وما من شك أن تخلي مصر عن دورها القومي والتزاماتها ازاء القضية الفلسطينية ، وبقية قضايا شعوب الأمة العربية بحكم تحالفها مع امريكا وارتباطها باتفاقات كامب ديفيد ، قد ادى الى كوارث كبرى لحقت بالقضية الفلسطينية ولبنان والعراق وسوريا وسواها من البلدان العربية ، وأعاق بالتالي مسيرة التقدم والتحرر في الوطن العربي .
ان تخلي مصر عن دورها القيادي ادى الى ملء هذا الفارغ من قبل دول عربية هامشية لا وزن ولا تأثير لها بسبب التبعية الاقتصادية والسياسية المطلقة للولايات المتحدة والغرب ، ما ادخل الوطن العربي في مرحلة طويلة من السبات العميق والانقسامات والمشاكل والحروب الداخلية وافقدها وزنها على الصعيد الاقليمي ، ومكن اسرائيل من الانفراد بالشعب الفلسطيني والتنكيل به ، خاصة بعد اتفاقات اوسلو وما تمخض عنها .
مكانة مصر اليوم لا تتعدى مكانة الصومال او موريتانيا في قضايا الصراع العربي القومي . ومصر العزة والكرامة والمواقف الوطنية والتاريخ وقيادة العرب ضد الامبريالية والاستعمار الاجنبي والرجعية العربية ، كانت أيام الزعيم القومي الخالد جمال عبد الناصر ، الذي تمتع بشخصية كريزماتية وحلم قومي وعروبي .
وحين تولى عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية المصرية كانت توقعاتنا كبيرة واحلامنا واسعة ، واعتقدنا أن السيسي هو الأمل ، ومكمل درب عبد الناصر ، لكنه خيب الامال ، ومن اول غزواته كسر عصاته ، ولم يكن بمستوى الطموحات والأحلام ، فهو لا يختلف عن غيره ، حتى أن حال مصر ازداد سوءاً من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والقومية .
ان مصر اليوم بحاجة ماسة الى زعيم وطني ناصري الهوية ، قومي الانتماء ، تقدمي الفكر ، قريب من نبض الشارع والناس ، خادماً للجماهير ، ويخاطبها بلغة الجماهير التي تحكى في الريف المصري وعلى ضفاف النيل والغيطان والنجوع المصرية .
بقلم/ شاكر فريد حسن