مع انطلاق المفاوضات المفصلية بين حركتي حماس فتح في العاصمة المصرية برعاية المخابرات المصرية لإنجاز المصالحة، فانه من الأهمية بمكان عدم الإفراط في التفاؤل لأن الطريق لا زالت طويلة ووعرة ومليئة بالألغام، ومن المبكر جداً الحكم على ما يدور في القاهرة واعتبار ما يجري هناك سعي صادق لمصالحة حقيقية. وعلينا ألا نعتبر ونتصور أن ما تم من خطوات خجولة حتى الآن سواء حل اللجنة الإدارية التي شكلتها حركة حماس أو الزيارات العاطفية البروتوكولية التي قامت بها حكومة الحمد الله للقطاع هو الفيصل في اتمام المصالحة وإنهاء الانقسام المتواصل والممتد منذ 11 سنة، فعلينا بداية ضرورة إيجاد إجابات واضحة على مجموعة من الأسئلة الملحة والضرورية حتى يتم الحكم على مدى نجاح التسوية المقترحة من قبل جهاز المخابرات المصرية، في مقدمتها هل ومتى سيقوم الرئيس محمود عباس فعلاً بإلغاء كافة قراراته العقابية واجراءته الصارمة بحق قطاع غزة ؟! وهل سيوافق على دمج أكثر من 35 ألف موظف يتبعون حماس في السلطة ؟!. وهل ستسمح حماس لسلطة الفلسطينية بعودة موظفيها إلى وظائفهم بكامل الصلاحيات والمهام ؟! بالإضافة إلى مسألة جوهرية خطيرة وهي: عل سيتمكن الطرفان من التوصل والتوافق على برنامج سياسي ووطني وأمني شامل؟! أم ستبقى حماس في واد وفتح في واد آخر؟! ومسألة الانتخابات التشريعية والمجلس الوطني وإعادة تأهيل وبناء منظمة التحرير وسلاح المقاومة والعديد من القضايا الحساسة والملحة التي يشكل كل بند من بنودها لغم كبير من شأنه أن يفشل المصالحة برمتها إذا لم يتم التوصل لاتفاق بشأنه.
دعونا نبتعد فليلاً عن سياسة دفن الرؤوس في الرمال ونعترف أن طرفي المعادلة (حماس وفتح) دفعا دفعاً أو قل أجبرتا إجباراً للموافقة على الشروع بالمصالحة التي اقترحتها في الغالب المخابرات المصرية الراعية لهذا الاتفاق؛ فحركة حماس تعيش ظروف غاية في الحساسية والخطورة بسبب اشتداد وطأة الحصار خصوصاً في الآونة الأخيرة وقرارات الرئيس عباس العقابية والتغيرات السياسية التي طرأت في المنطقة العربية خصوصاً بعد تولي دونالد ترامب رئاسة البيت الأبيض والصراع القائم بين قطر الحليف الاستراتيجي لحركة حماس والدول الأربع(مصر، السعودية، البحرين، الإمارات)، بالإضافة إلى المشاكل العويصة المعقدة التي يعاني منها القطاع دون وجود أفق حقيقي لأية حلول أو انفراجات والأمور تزداد سوءاً يوما بعد يوم. فيما وافقت السلطة للذهاب تجاه هذه المصالحة والدخول فيها لأسباب قسرية عدة فرضت عليها في مقدمتها عدم الرغبة في إغضاب مصر وكذلك لإفشال محاولات محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح والعدو اللدود للرئيس عباس لتصدر المشهد السياسي الفلسطيني وقطع الطريق بينه وبين حركة حماس.
مما لا شك فيه أن الأمور ليست بالسهولة أو المرونة التي يتصورها البعض؛ فهناك مئات التفاصيل التي لم تناقش بعد، وهناك تناقضات واضحة بل وجلية جداً وتباين خطير وتناقض جوهري في المواقف بين الحركتين ليس حول موضوع أو قضية بعينها بل في مجمل القضايا الماثلة أمام الطرفين. ودعوني أكن أكثر عقلانية على الرغم أن البعض سينعتني بالمتشائم واللامحب لإتمام المصالحة، فسأقول إن المصالحة لو تمت بضغط مصري فستكون هشة وقابلة للكسر، والخطورة تكمن هنا في التداعيات التي قد تتمخض عن سقوط هذه المصالحة الهشة ؟!! بكل تأكيد النتائج ستكون كارثية وخطيرة والنار ستحرق البعيد والقريب وستأكل الأخضر واليابس، نتائج وخيمة ستقضي على جذوة القضية الفلسطينية لأجيال قادمة.
وبناءً عليه يجب أن يتم الحديث عن توافق وطني سياسي وعسكري واقتصادي بين الحركتين قبل الحديث عن مصالحة محتملة ، لأنه إذا ما اتفقت الحركتان على مثل هذا البرنامج فسنصل بالمصالحة إلى بر الأمان بل سينتهي الانقسام إلى الأبد.
بقلم/ د.ناصر محمود الصوير
باحث وكاتب ومحلل سياسي مقيم في غزة