ما يعتزم القيام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من نقل لسفارة بلاده في الأراضي الفلسطيني المحتلة من مغتصبة تل أبيب إلى مدينة القدس ، بعد الاعتراف بها عاصمة لكيان الاغتصاب " الإسرائيلي " ، يحتل الخبر الفلسطيني على كل صعيد ، كما النار في الهشيم ، على الرغم أن الرئيس ترامب قد أفصح عن نواياه هذه جاعلاً منها جزء من الدعاية والرنامج الانتخابي في خطوة إلى كسب التأييد الصهيوني له في الانتخابات إلى زعامة البيت الأبيض .
وهذه النية التوجه لم تكن خافية على السلطة الفلسطينية التي تُظهر هلعها ، ويجري رئيسها السيد محمود عباس الاتصالات مع الكثير من الدول وزعمائها وليس أخرهم محمد بن سلمان ولي العهد السعودي طالباً إليه التدخل لمنع تلك الخطوة الترامبية التي ستترك الكثير من التداعيات والمخاطر إذا ما نفذت في القريب العاجل سواء على لسان ترامب أو يتولى نائبه سبنس الإعلان عن ذلك ، وهو أي سبنس شخصياً أكد أن رئيسه ترامب قريباً سيعلن موعد نقل السفارة الأمريكية ، وسيعترف بالقدس عاصمة ل" إسرائيل " . والسلطة بذلك تطبق المثل القائل " يا طالب الدبس من قفا النمس " .
على خطورة هذه الخطوة ، وتنفيذها من عدمه ، السؤال الذي يطرح نفسه ، على ماذا كانت السلطة الفلسطينية برئيسها وطواقمها التفاوضية والاستخبارية والتنسيقية تركن وترهن أمرها في عدم قيامها بالخطوات العملية من أجل مواجهة الاحتمالات المتزايدة عن إقدام الرئيس ترامب على هكذا خطوة عاجلاً أم آجلاً ؟ . أم أنها تلقت ضمانات قاطعة أن إدارة الرئيس ترامب لم تذهب إلى هكذا خطوة ، تعلم علم اليقين ما سوف يترتب عليها من مخاطر . وليس من باب التحزر أو علم الغيب ، السلطة بكل أركانها لم تتلقى أية ضمانات من هذا القبيل ، لأن لا أحد في إمكانه أن يتحزر أو يراهن على توجهات أو خطوات الرئيس ترامب التي ينوي القيام بها ، ولطالما اتهمه العديد بأن يتعامل مع القضايا الدولية الكبرى بعقلية السمسار والبزنس ، وتثبت الوقائع ومجريات الأحداث وتطوراتها على صحة ما ذهب إليه هؤلاء ، إلاّ السلطة الفلسطينية .
هناك من يعتقد أن ما طرح نائب الرئيس الأمريكي سبنس ومعه صهر الرئيس شولتز الصهيوني بامتياز ، ما هو إلاّ للتهويل وفرض الابتزاز السياسي الرخيص على السلطة . ولكن هل فعلاً هذه الخطوة تقع في خانة التهويل والابتزاز ، أم ماذا ؟ ، طالما أن مسألة القدس والحديث عنها وفق مندرجات ما سميت ب" صفقة القرن " هي خارجها ، وبكليتها ذاهبة ل" لإسرائيليين " ، ولا نقاش حولها ، اللهم سوى السماح للمصلين أداء الصلاة داخل المسجد الأقصى ليس إلاّ ، هذا إذا أبقى الصهاينة عليه والحفريات تنخر ما تحته كما السوس في الخشب . وأيضاً يصح القول أنه وطالما أن الصفقة الكارثة في إحدى عناوينها أن القدس من خارجها ، لماذا يستعجل الرئيس ترامب وإدارته التخريب على أنفسهم وما يخططون له ؟ . أم أن الأمر متصل بشأن أخر ، نعم الاحتمال الكبير أنه ومع الحديث المتزايد عن الفضائح التي تطارد ترامب والمحيطين به الدائرة الضيقة حول العلاقة مع روسيا الاتحادية ، والشكوك أنها متدخلة لمصلحة ترامب في الانتخابات التي قادته إلى البيت الأبيض ، وما ترتب على ذلك من تدحرج للرؤوس وصهر الرئيس شولتز قد يكون الرأس القادم ، مما يشكل في رأي الكثيرين أن شولتز وإقصائه المقدمة للقيام بإجراءات عزل الرئيس ترامب نفسه ، وهو من تلك الخلفية يريد أن يذهب في مسار الاعتراف المشؤوم لكسب التأييد الصهيوني ولوبياته لا سيما " الإيباك " ، علهم يشكلون له في خطوته هذه طوق النجاة والإفلات مما يحضر له . وهو أي ترامب قد قدم لتلك الخطوة العازم على تنفيذها بالتصعيد ضد إيران وحزب الله على نحو خطير .
وعند خطوة الاعتراف ، تتقاطع مصالح ترامب مع نتنياهو الذي بدوره يعاني من الفضائح المتلاحقة أولاً ، وعجزه عن اتخاذ خطوة الحرب سواء ضد إيران أو حزب الله ، وحتى ضد قطاع غزة . لذلك ليس مصادفة أن يتناغم الطرفان ، والموضوع الفلسطيني بعناوينه وخصوصاً القدس الضالة المنشودة لهما ، والفرصة السانحة في ظل الانشغال العربي والإسلامي بسبب الحرائق والحروب التي أشعلوها وبأدوات وأموال المؤسف أن تكون عربية .
وعودة على ذي بدء ، طالما أن مخاطر الإعلان عن اعتراف أمريكي بأن القدس عاصمة الكيان ، السلطة مطالبة ومعها حركة فتح ومن ثم الفصائل أن يبادروا فوراً إلى إعطاء دفعة جديدة وقوية من اجل تذليل العقبات أمام تنفيذ المصالحة ، كل من موقع تأثيره وما يتحمل من مسؤوليات اتجاه إنجاز المصالحة ، ومن ثم الدعوة إلى لقاء وطني من أجل رسم سياسة المواجهة للخطوة الأمريكية سواء نفذت أم لم تنفذ ، وكذلك التصدي لكل السياسات الرامية إلى تصفية القضية وعناوينها الوطنية ، وعلى السلطة مسؤولية تاريخية أن تفعلها ولو لمرة واحدة في حال نفذ ترامب خطوته ، وهي أن تقوم السلطة بحل نفسها ورمي الطاولة بوجه الجميع من عرب ومجتمع دولي بكل مؤسساتهم وتجمعاتهم وتكتلاتهم السياسية ، وإطلاق العنان لحراك شعبي جماهيري نحو انتفاضة عارمة في وجه الاحتلال .
رامز مصطفى
كاتب وباحث سياسي