إن الوضع القانوني للكيان الصهيوني بالنسبة لجميع الأراضي التي احتلتها قبل عام 1948 وبعده ينطبق تمام الانطباق على وضعها القانوني في ما يتعلق بالأراضي التي استولت عليها منذ الخامس من حزيران (يونيو) 1967، إنه وضع المحتل المحارب، إذ لا تستطيع دولة الكيان ولا تملك الحق في كل الأحوال بالسيادة على الأراضي التي احتلتها، لأن صاحب السيادة الشرعي هو الشعب الفلسطيني الذي يحتفظ بالسيادة القانونية التي لا يمكن أن تلغيها أي اتفاقات ، إذ أن الاتفاقات التي تتعارض مع حقوق الشعب القانونية والتاريخية تعطي الاحتلال مؤقتاً سيادة في الواقع أو سيادة بالمعنى السياسي المرتبط بالقوة والإكراه، وبالتالي فإن انقضاء الزمن عاجز عن أن يجعل من احتلال الصهاينة الباغي لفلسطين عملاً مشروعاً.
في إطار هذه النظرة الشمولية، ننظر إلى قضية القدس باعتبارها قلب ومحرك ذلك الإطار من حيث الأهمية السياسية والدينية والتاريخية التي لا يمكن إزاحتها من الذهنية العربية الإسلامية والمسيحية في آن واحد، هذه الأهمية لا تتوقف عن الجانب المكاني أو الواقع المادي البشري أو الجغرافي بقدر ما تتغلغل في السيكولوجي الفلسطيني والعربي الداخلي الكامن رغم هذا الواقع المأزوم والمهزوم الذي نعيشه اليوم.
من هنا نرى التحرك الامريكي السافر في محاولة للاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ، والعمل على تبديد حقوق الشعب الفلسطيني من خلال ما يسمى صفقة القرن، مما يستدعي من القيادة الفلسطينية وكافة القوى العربية والدولية التمسك بالثوابت الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة للاجئين الفلسطينيين والاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية.
أن تكون القدس هي عاصمة فلسطين ، وبالتالي فإن النضال الفلسطيني يجب ان يتواصل بكافة الاشكال حتى دحر الاحتلال عن كامل الأراضي المحتلة، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه عليها، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس، التي تسيطر على مواردها وحدودها، وسمائها، وتمارس مسؤولياتها إزاء العلاقات الإقليمية والدولية، وبالتالي يتحقق الهدف الحقيقي من هذا الحل وهو السلم والأمن والاستقرار.
القدس، هي جغرافيا وتاريخ الحق الفلسطيني، وينظر كل فلسطيني وعربي للقدس ببالغ الاهتمام، فهي مركز هام وحيوي للأماكن المقدسة، والدينية، ودون أن يكون الجميع مؤهل من موقع الالتزام الحضاري والتاريخي والإنساني والسياسي لوضع النقاط على الحروف، لذلك لتعلم الادارة الامريكية ان اي مساس في القدس ستكون شعلة النضال من جديد اي ستنطلق الثورة من اجل القدس ، لذلك على المجتمع الدولي، وكل القوى المؤثرة، يجب أن تقول كلمتها، لأن اي حل يبدأ من القدس، ودون القدس لن تفيد الحلول .
ان المشهد اليوم يختلف في ظل نشر الإرهاب في المنطقة العربية وبدعم من القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية مما أثر على القرار العربي الذي يجب ان يكون موحداً ضد اي قرار امريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان او نقل السفارة الامريكية ، ولكن حتى نكون واضحين فان شعبنا الفلسطيني ومعه الشعوب العربية والاسلامية واحرار العالم سيؤججون الصراع دفاعا عن القدس ، وهذه الخطوة الخطيرة لن تغير شيء بصراعنا مع كيان الاحتلال فما بنيّ على باطل فهو باطل وهذا الإحتلال سيزول لا محالة عاجلاً أم آجلاً وستبقى القدس عاصمة لفلسطين شاء من شاء وأبى من أبى.
الشهوات الأميركية الصهيونية الرجعية للحروب تواجه عقدا صعبة ومكلفة لأن الدول المستهدفة تملك قدرات دفاعية فعلية وتشبك تحالفات استعصى الرهان على تفكيكها والنيل من ثباتها وقوتها ومجددا يبرز حلف الشرق الروسي الصيني مع إيران وسورية ومحور المقاومة بالمعنى الأشمل.
الحرائق الكارثية الكبرى التي تراود مراكز التخطيط تورد سيناريوهات محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج ولكن التهويل المتسارع بكثافة يبدو احد ادوات الضغط والتأثير السياسي على إرادة قوى التحرر في المنطقة بينما يجري العمل لتمرير صفقات وصيغ جديدة في سياق المحاولات المتكررة لتصفية قضية فلسطين وإدامة الهيمنة الصهيونية مع تبلور انتصار قوى المقاومة بالتحالف مع روسيا والصين على حروب الوكالة التي قادتها الولايات المتحدة خلال السنوات المنصرمة واستخدمت فيها جيوش المرتزقة وعصابات الإرهاب.
ومن هنا فلا مجال وفي ظل التطورات الحاصلة في المنطقة، سواء على صعيد القضية الفلسطينية والحديث عن صفقة القرن والمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، نرى ان تحقيق الوحدة الوطنية و رفع العقوبات عن قطاع غزة ، هي مسالة مهمة في مواجهة التمهيد لصفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتسويق التطبيع مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي يتطلب توحيد كافة الجهود لدعم خيار ونهج المقاومة .
ختاما : لا بد من توحید الصف الفلسطیني، وانجاز الوحدة الوطنیة الفلسطینیة لمواجھة ما یحاك من مؤامرات ، ومن هنا يشكل الصمود المقدسي تمسكا بثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني،ورافعة لحالة جماهيرية عربية صاعدة معتمدة على ما يتحقق ويجري حسمه من إنجازات في المنطقة،وهذا يستدعي رسم استراتيجية للتصدي والمواجهة مع الاحتلال ومواجهة ما يحاك من مؤامرة وذلك عبر نضال شعبي وجماهيري لمواجهة كل المخاطر.
بقلم/ عباس الجمعة