السلطة بين خيار الوحدة والتقسيم..

بقلم: طلال سلمان

شرف لي أن أكون معكم هنا، في مؤسسة الحكيم، لتبادل الرأي، والتفكير بصوت عال في المشكلات والمشاغل التي تأخذنا بعيداً عن قضايا المصير وطموحنا الى المستقبل الأفضل.

وعنوان هذه الندوة التي تجمعنا وطلب الي التحدث فيها يعبر عن الهموم وطغيان الخوف على الهوية: “المنطقة بين خيار الوحدة والتقسيم”.

وفي تقديري، مع التواضع، أن لا موضوع يتقدم في هذه اللحظة، على القرار الاميركي المحقر للعرب والمسلمين ومعهم المسيحيين بتطويب القدس عاصمة ابدية للكيان الاسرائيلي.

انها حرب اميركية شاملة كاسحة على العرب والمسلمين بعنوان اسرائيلي قاس في اهانته. وفي استهانته بالمليارات من المؤمنين بالأديان السماوية، وفي تحقيره للعرب، كلهم، جمهوريين وملكيين، سواء أكانوا من العرب العاربة او المستعربة،

انه اعلان بأن العرب قد انتهوا

وبأن المسلمين قد تهودوا

وبأن العرب بمسلميهم والنصارى قد سقطوا سهواً من التاريخ تاركين أمجاد ماضيهم وشؤون حاضرهم ومستقبلهم ومقدساتهم لسبي الصهاينة سواء أكانوا اميركيين ام اسرائيليين.. والكل هنا واحد.

من يسلم بخسارة القدس وشطبها من تاريخه لا يستحق أن يكون من صناع التاريخ، فضلا عن أن يكون فيه.

وفي تقديري، مع التواضع، أن الوحدة هي الطريق الى المستقبل، وأما التقسيم فيعني، اليوم كما بالأمس، التوغل في الحرب الأهلية.

مؤكد ان الطريق الى الوحدة ليس معبداً بل هو شاق جداً لأنه يتحدى واقع الانقسام وترسبات عصور القهر الاستعماري ومستولداته من الطائفية الى المذهبية الى الجهوية الخ..

أما جحيم التقسيم فنحن نعيش فيه، تتضاءل معه آمالنا بمستقبل أفضل ونقف على شفا الحرب الأهلية في العديد من البلاد العربية.

والتقسيم، كما علمتنا التجارب، أيها الأخوة، قد يتبدى في ظاهر مطلبه سياسياً، ولكنه في الغالب الأعم يرتكز على ما يفرق الناس، على أساس ديني، أو مذهبي، أو عرقي، وهكذا يصير الشعب الواحد مكونات عدة، بعضها مذهبي، وبعض عرقي، بعضها قبلي، والأقل يبقى متمسكا بانتمائه الى الأرض، أي الوطن، باعتبارها الأصل.

وأبادر فأعترف ان هذه الأمة قد ضُيعت عن ذاتها وهويتها دهوراً طويلة، خلال القهر العثماني المفتوح على المجهول، ثم خلال عصور التقاسم الاستعماري لأقطارها، بحيث كاد أهلها ينسون أصولهم أو يهربون منها، لأنها تضعهم في مرتبة دنيا في عصر الدول العظمى متعددة القومية، كالولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوفياتي من قبل أو الاتحاد الروسي اليوم، والإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغيب عنها الشمس، وكذلك الإمبراطورية الفرنسية.

وبديهي أن ينسى الجزائريون كونهم عرباً، طالما ان هويتهم قد طمست وغيبت عنهم لمائة وخمسين سنة من الاستعمار الاستيطاني الفرنسي..

كذلك فمن البديهي ان يضيع الليبيون عن هويتهم وقد قسمت بلادهم بين غرب طلياني وشرق بريطاني وجنوب فرنسي أما الشمال فهو للبحر.

لقد مزقت معاهدة سايكس ـ بيكو الشرق الى دول عدة مخالفة للطبيعة: اقتطعت من سوريا شرقي الأردن لتكون عرشاً للهاشميين الذين غدرت بهم بريطانيا في الحجاز، فعوضت عليهم من كيس سوريا..

وعوضت جبل لبنان من كيس سوريا فأضافت الى المتصرفية التي اصطنعها الغرب، على قاعدة طائفية الأقضية الأربعة أي الجنوب والشمال وبيروت والبقاع.

كما اقتطعت بريطانيا منها فلسطين لتكون، مستقبلاً، دولة يهود العالم..

وقسّم الفرنسيون سوريا الى خمس دويلات، فلما ثار السوريون عاقبهم الفرنسيون بأن خلعوا الشريف فيصل بن الحسين ليتلقفه البريطانيون فينصبونه ملكاً على العراق.

وأما الخليج العربي بدوله المتعددة اليوم: قطر، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، وحتى الكويت، فقد كانت مشيخات تدور في الفلك البريطاني، مفقرة حتى أكل الجراد وبائسون اهلها حتى الغرق في بحر العرب والخليج العربي بحثاً عن اللؤلؤ ليبيعوه للهند.

وأما اليمن الذي عاشت مستقلة الى حد كبير، وان ظل طيف العثماني من حولها، فقد اقتطعت بريطانيا ميناء عدن منها وما خلفه، لتكون قاعدتها العظمى المطلة على بحر العرب والمحيط الهندي مع الإمساك بمفتاح البحر الأحمر عند باب المندب.

أما السعودية فقد ورثت الولايات المتحدة الأميركية بريطانيا فيها بعد اكتشاف بحر النفط في البلاد البلا حدود في رمالها المذهبة.

أيها الاصدقاء،

إن التقسيم جحيم مفتوح بحروب أهلية لا تنتهي.

والتقسيم بئر بلا قرار: نبدأ بالعنصر، ثم بالدين، ثم بالطائفة او المذهب، بالقبيلة ثم بالعشيرة ثم بالطائفة.

كل هذا بينما تتعاظم الدول الكبرى، حتى تكاد ثلاث دول منه او أربع تتقاسم الدنيا بأقطارها جميعاً، شرقاً وغرباً.

إن العالم، بتاريخه، يتصاغر حتى ليمكنك أن تضعه في جيبك..

ونحن خارجه..

نفترض أننا قد وضعناه في جيوبنا بينما نحن، في الحقيقة، نقاط مبعثرة على شاشته، بلا مرجع او مرجعية.

علينا أن نفكر بعمق في حاضرنا، وكيف يمكننا الوصول إلى مستقبلنا.

قد أكون حركت المواجع.. لكن الهرب منها لا يفيد.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، شاكراً لكم دعوتكم، مع الاعتذار عن وجع المصارحة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 كلمة القيت في ندوة بعنوان “المنطقة بين خيار الوحدة والتقسيم” من تنظيم مؤسسة الامام الحكيم، بيروت 6 كانون الاول  2017
 م