وعد ترمب المشؤوم، وضرورة تعزيز صمود القدس

بقلم: محمد يوسف حسنة

وعد ترمب المشؤوم واعترافه بالقدس عاصمة لما تُسمى دولة "اسرائيل" ليس غريباً على دولة قامت على أنقاض عرق الهنود الحمر، وليس بعيداً عن عقيدة تقوم على تدمير البلدان وزرع الشقاق ودعم الديكتاتوريات، واحباط الشعوب الحرة ومحاصرة الدول الرافضة للعنجهية الأمريكية.

الانحياز  الحكومي الأمريكي للكيان الإسرائيلي ليس جديد ولكنه هذه المرة اتسم بالوقاحة وتجرأ على تحدي مشاعر مليار ونصف مليار مسلم، بعدما تأكد أنهم قوة غير فاعلة أو مؤثرة حتى أن البيت الأبيض أعرب عن رضاه عن بيانات الإدانة الصادرة من الحكومات العربية والبرلمانات والهيئات الشعبية على اعتبار أنها تُنفس حالة الغضب التي تُسيطر على الشارع العربي والإسلامي نتيجة القرار.

وقاحة ترمب وتحديه السافر لمشاعر المسلمين لن تُغير حقائق التاريخ ولن تنال من عزيمة المدينة الصامدة فما كُتب بالدم لا تمحوه وعود خُطت بحبر الورق فلم تسقط فلسطين يوم وعد بفلور المشؤوم ولن تسقط القدس بوعد ترمب المشؤوم، إلا أن الأمر يتطلب وقفة جدية ورداً يتجاوز بيانات الشجب والاستنكار ويتعداه للفعل الميداني رفضاً للقرار من جهة وتعزيزاً ودعماً لصمود المقدسيين من جهة أخرى.

وكما للمقاومة دورها وللسياسة طرقها فعلى العاملين في سلك العمل الإنساني حمل ثقيل لتثبيت المقدسيين ودعم حاجتهم والوقوف على أولوياتهم لتمكينهم من الحفاظ على الهوية والقضاء على مخطط تهويد المدينة.

جمعني لقاء مع أحد الأصدقاء من مدينة القدس وحدثني عن هموم أهلها وشجون نسائها وحلم أطفالها وآلام رجالها، في كل زاوية قصة، وفي كل حي مأساة جعلتني أتوقف ملياً مندهشاً حول قدرة المدينة على الصمود والوقوف أمام عنجهية المحتل ورغبات إخضاع المدينة له بالقوة، إلا أن عبارة قالها ما زال صداها يتردد في أذني " ماكانت المدينة لتصمد، لولاً فضل الله أولاً، وبسالة أهلها وإيمانهم بحقهم بها ثانياً، ومن ثم الأيادي البيضاء التي تمتد دعماً للمقدسيين وصمودهم".

يُحاول الاحتلال بكل ما أوتي من قوة إلى عبرنة المناهج التعليمية الفلسطينية في القدس عبر مدارس البلدية، ونادراً ما ينجح الطلاب في هذه المدارس نتيجة سياسة التجهيل التي تتبعها بلدية الاحتلال، فلا يجد المقدسي بداً من الالتحاق بالمدارس الخاصة العربية أو مدارس الأنروا، التي تُكلف الأولى كثيراً ولا تكفي الثانية حاجة المواطنين.

وبذريعة عدم الترخيص يقوم الاحتلال كل فترة وأخرى بمجزرة ضد منازل المواطنين هدماً وتجريفاً، ويفرض مبالغ باهظة نظير الحصول على التراخيص مع تعطيل اصدارها.

ويُلاحق الاحتلال التجار في أرزاقهم داخل البلدة القديمة حتى كادت التجارة والمحال الفلسطينية نتيجة الضريبة أن تختفي ويضطر أصحاب معظم المحال لإغلاقها نتيجة عدم قدرتهم الإيفاء بمتطلبات الضريبة، الأمر الذي يفاقم الفقر والبطالة في المدينة المقدسة.

ويمارس تضييقاً عبر حملات الاعتقال الممنهجة وفرض الإقامة الجبرية على مواطني المدينة المقدسة الأمر الذي يفقد العائلة مصدر رزقها ويفاقم أزمتها، ويقوم بإبعاد المواطنين عن البلدة القديمة الأمر الذي يُكبدهم مصروفات التنقل والايجار.

إن فعل ترمب ومن قبله سياسة التهويد الممنهجة التي يقوم بها الاحتلال تتطلب منا كعاملين في العمل الإنساني الوقوف أمام مسؤولياتنا وحشد الموارد المالية لصالح أهالي مدينة القدس وفق أولوياتهم، فلا يُعقل أن نبقى نحن أيضاً في مربع مشاهدة الفعل وإدانة الفعل دون الإنتقال لمربع صنع الحدث والرد على العدوان الذي يستهدف المدينة.

لدى العاملين في العمل الإنساني امتداد في مختلف أنحاء العالم وسيستجيب كل حر لنداء مدينة القدس وتعزيز صمودها، وقد وقفت وشاهدت تقاريراً على عمل العديد من المؤسسات الإنسانية التي تدعم القدس وصمود أهلها  ومثلت وما تزال الرئة التي يتنفس منها أهل القدس، وتعتبر شريان حياة بالنسبة لهم، وللمؤسسات التركية تجربة جديرة بالاهتمام على صعيد دعم المواطن المقدسي والمسجد الأقصى، وتمثل أحد أهم بوابات الخير لأهل المدينة.

 مازال هنالك متسع وعمل لابد من القيام به ووسائل متاحة وأدوات كثيرة يجب أن تُترجم أسهم مالية في دعم المقدسيين فسهم في كفالة أسرة مفروض عليها الإقامة الجبرية أو رب المنزل في سجون الإحتلال وسهم في ترميم البيوت المدمرة من قبل الإحتلال أو الآيلة للسقوط وسهم في دعم تجار المدينة وسهم في دعم طلابها، وسهم في دعم فقراء المدينة ليس كثيراً على مدينة صامدة وأهالي جادوا بالدماء وفلذات الأكباد وسني عمرهم لأجل أن تبقى القدس عاصمة فلسطين قبلة المسلمين الأولى.

فشمروا سواعدكم وعززوا الوعي بمعركة القدس، واستنهضوا همم الأمة، وايقظوا ضمير العالم، فالقدس تنتظر كم وتطلب اسنادكم ومؤازرتكم، وتذكروا لا مستحيل لا صعب رغم كل التضييقات.

بقلم/ م. محمد حسنة