القدس والتطبيع

بقلم: عباس الجمعة

لم نتفاجأ بالموقف الرجعي العربي في الوقت الذي تتضامن فيها الشعوب العربية واحرار العالم مع فلسطين والقدس بمواجهة وعد ترامب الاخطر من وعد بلفور ، وبينما يتصدى الشعب الفلسطيني وشبابه في كل من القدس وغزة للاحتلال اتى وفد التطبيع البحريني الى القدس ، فكان الرد الفلسطيني بطرد الوفد التطبيعي البحريني ، مؤكدا ان ثقافة المقاومة هي ثقافة متأصلة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني، والتفاف الشريحة الجماهيرية الأوسع حول خيار المقاومة.

ومن هذا الموقع شكل خطاب سيد المقاومة السيد حسن نصرالله في الضاحية بمسيرة التضامن مع القدس نقطة تحول هامة اضافة الى موقف الحزب الشيوعي اللبناني والقومي وكافة الاحزاب والفصائل في مسيرة عوكر ومواقف لبنان الرسمي والشعبي هذه المواقف التي تعبر عن اصالة الشعب اللبناني الذي وقف منذ وعد بلفور الى جانب فلسطين ، لنقول هذه المواقف اعطت للشعب الفلسطيني بان هناك شعوب على امتداد المنطقة تقف الى جانبه في مواجهة العدو الصهيوني المجرم ، ولهذا لا بد من مواصلة الهبة الشعبية وصولا الى انتفاضة شعبية عارمة عبر كافة اشكال النضال والكفاح بكل أشكاله.

من هنا نقول ونحن نقدر مواقف كافة الاحزاب والقوى العربية إلى مواصلة جهودها الرافضة للتطبيع ولرموزها، وتأصيل ثقافة المقاومة والمواقف الرافضة للدور الرجعي العربي الرسمي و التصدي للتطبيع، وبتعزيز المقاطعة الشاملة للكيان الصهيوني ولرعاته وأذنابه.

ان ما صدر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب باسثتثناء لبنان والعراق هو موقف لم يرقى إلى مستوى الحدث وإلى مستوى المسؤولية المفترضة في مواجهة قرار الادارة الامريكية اعترافها بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ، حيث ان البعض اكتفى بإلقاء كلماتٍ لا وزن لها عند الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني، ولم يقدموا أية مقترحات، أو مشاريع قرارات بإجراءات ملموسة كالتي قدّمها وزير الخارجية اللبناني على أقل تقدير، تجعل الإدارة الأمريكية تستجيب لمناشدتهم لها بالعودة عن قرارها ، لم يتطرّقوا في مداخلاتهم إلى حقوق الشعب الفلسطيني، باستثناء حقه في دولته بعاصمتها القدس، وهو ما انعكس أيضاً في القرار الصادر عن الاجتماع الطارئ لهم، الذي اعتبر أنّ الحل السلمي بما يضمن قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية سبيلاً لا بديل عنه لإنهاء الصراع، وفي ذلك تراجعٌ خطير عن القرارات العربية بشأن حقوق الشعب الفلسطيني، وعن قرارات الشرعية الدولية التي حددتها بحق العودة للاجئين وفق القرار 194، وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.

امام خطورة الاوضاع نرى ان على جميع الاحزاب والقوى العربية القيام بدورها إلى تحمّل مسؤولياتها في لجم حالة الهبوط الرسمي العربي، وإلى احتضان قضية الشعب الفلسطيني والدفاع عنها باعتبارها قضية العرب الأولى، وإلى التصدي لخطوات التطبيع مع الكيان الصهيوني التي

تسارع إليها بعض الأنظمة العربية، لأن أقدام ترامب على ما لم يتجرأ أي رئيس أمريكي سابق الاقدام عليه، ليس لأنه أكثرهم شجاعة، بل لأنه أكثرهم غطرسة وصلفاً وأقلهم قدرة على ادراك عواقب قرارات طائشة وهوجاء، كقرار الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني العنصري، وأكثرهم استعداداً لاحلال شريعة الغاب مكان الشرعية الدولية وقراراتها ومواثيقها التي تعتبر القدس مدينة محتلة كغيرها من المدن والبلدات والقرى الفلسطينية التي يجب أن يزول عنها الاحتلال، وهو حتما سيزول طال الزمن أم قصر.

مئة عام ما بين وعد بلفور عام "1917" ووعد ترامب الجديد عام "2017"، تخللتها حروب وانتفاضات وصراعات مريرة، وسالت خلالها أنهار من الدماء، لم تشفع لرعاة المشروع الصهيوني أن يدركوا حقيقة وأصل الأشياء، وهي أن فلسطين وجوهرها القدس ليست نبتاً شيطانياً، وأنها قادرة على النهوض والانتفاض وقلب الطاولة، عندما تمس أقدس أقداسها، مهما كانت التبعات والتضحيات.

ختاما : إن الشعب العربي الفلسطيني والذي مضى على نضاله وكفاحه أكثر من مئة عام قدم خلالها التضحيات الكبيرة وآلاف الشهداء والجرحى والأسرى واللاجئين ، ما زال متمسك بحقه بالحرية والاستقلال والعودة من أجل إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وإنهاء الاستعمار البغيض لأرضه ، ونحن نثمن هبئة شعبنا على ارض الوطن فلسطين وفي اماكن اللجوء والشتات وشعوبنا العربية وأحرار العالم الذين خرجوا للميادين والشوارع رفضاً للقرار الأمريكي بحق مدينة القدس، وتأكيداً على عروبتها وهويتها ورمزيتها كعاصمة أبدية لشعبنا الفلسطيني.

بقلم/ عباس الجمعة