كان بالإمكان أفضل مما كان , لقد جاءت مقررات قمة القدس في إسطنبول التركية , دون تطلعات القواعد الشعبية في العالم الإسلامي أجمع , و لم ترتقى لحجم المؤامرة على مدينة القدس المحتلة , حيث أن مخرجات القمة لم تتجاوز دائرة التسوية ومتطلباتها , ولم تعبر القمة وقرارتها عن حجم وأهمية القدس كقضية مركزية لمجموع الأمة , فلقد شارك فيها (16) من الزعماء والملوك من أصل (57) دولة إسلامية , في حين اكتفى الأخرين إنابة مستويات دبلوماسية أدنى درجة , وأعطي بعضهم الأهمية للمشاركة في قمة " كوكب واحد " في فرنسا عن الحضور في قمة عن القدس , ولقد علق وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، على ضعف التمثيل العربي في القمة، قائلاً: " بعض الدول العربية أبدت رد فعل ضعيفاً للغاية"، مرجحاً أن ذلك سببه "الخشية من غضب الولايات المتحدة الأميركية " , وهذه إشارة في الإتجاه الخاطئ , تفيد بأن قضية القدس ليست ذات أولوية على أجندات قادة وزعماء الأمة الإسلامية ,وقد يزيد هذا الموقف من إمعان العدو الأمريكي والصهيوني بالإستمرار بمخططاتهم التي تستهدف مدينة القدس المحتلة .
بعيداً عن الخطابات العاطفية والعبارات التي تم إنتقائها لتعالج الحالة النفسية للمُتلقي في بعض كلمات ممثلي الوفود , من أجل تدغدغه المشاعر والإلهاء عن مخرجات القمة, التي تشكل كارثة على مدينة القدس المحتلة والقضية الفلسطينية, لعل أخطر ما تم تمريره عبر البيان الختامي لقمة إسطنبول ,هو الإعتراف بالجزء الغربي من القدس المحتلة , عاصمة للكيان الصهيوني , وكذلك الإقرار بشرعية إحتلال أكثر من 78% من أرض فلسطين للصهاينة,في إحياء للمبادرة العربية للتسوية مع العدو الصهيوني , والتي رفضتها حكومات الإحتلال المتعاقبة منذ أكثر من (15) عاما , لتصبح مبادرة من مجموع الدول الإسلامية .
خطاب القدس الشرقية عاصمة لفلسطين , والتي أقرته قمة أسطنبول وكأنه إنجازاً فلسطينياً , هو بالأساس خطاب السلطة التي ولدت عبر إتفاقية أوسلو, وأبدا لم يكن في يوم من الأيام خطاب فلسطين , التي تطلب الحرية والإستقلال عبر الحراب وفوهات البنادق , ولا يمكن أن نقبل بتقسيم القدس أو بيعها في سوق التسوية المقيت هذه مقالة الشعب الفلسطيني بأكمله , فالقدس واحدة لا شرقية ولا غربية, كما هي فلسطين الوطن والأرض والإنسان والهوية الوطنية, فلسطين الخارطة المحفورة في ذاكرة الأجيال ولا تقبل التشويه على قاعدة حل الدولتين .
من بين السطور في مقررات قمة إسطنبول , يتبين لنا المحاولة في حصر مقاومة الشعب الفلسطيني , بما أطلق عليه مصطلح " المقاومة السلمية ", وهي محاولة لحرمان شعبنا الفلسطيني من ممارسة حقه الطبيعي في مقاومة الإحتلال , بالوسائل التي يراها مناسبة لتحقيق مشروعه للتخلص من الإحتلال وإنجاز إستقلاله الوطني , بما في ذلك العمل المسلح وهو الحق المكفول في كافة الشرائع والقوانين والأعراف الدولية , وأكدت عليه التجربة الإنسانية بلزوم مقارعة المحتل الغازي , بكل الوسائل حتى إسترداد الوطن والحقوق , فماذا يتم حصر المقاومة الفلسطينية بـ " السلمية " ولمصلحة من هذا التوجه الخطير وتبنيه عبر قمة إسلامية ؟,في حين كان الواجب على القمة تأكيدها , على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال بكافة الوسائل والإمكانيات , حتى إنجاز الحرية والإستقلال , دون تمييز بين أسلوب وأخر من أساليب المقاومة , حيث أن هذا الأمر متروك لأهل الميدان والقضية في فلسطين .
على ما يبدو أن تجربتنا كفلسطينيين, فيما يتعلق بالمؤامرات العربية والإسلامية الرسمية , تفيد بأن المحصلة النهائي لكل هذا الغثاء هو المضرة المحققة للقضية الفلسطينية ومسار شعبنا المقاوم ضد المشروع الصهيوني الإستيطاني , حيث يستمر النظام الرسمي عربياً وإسلامياً عبر قراراته , حصر قضيتنا في سراديب التسوية المظلمة , التي تشرعن للعدو الصهيوني إحتلاله لأرضنا ومقدساتنا, إرضاء للإدارة الأمريكية بلا شك في ذلك , ولو كان ذلك على حساب حقوقنا الراسخة وعدالة قضيتنا الواضحة , ولكن السؤال ماذا لو كان التمثيل السياسي الفلسطيني الرسمي , يحمل برنامجاً وطنياً يحافظ على فلسطين بكامل ترابها وحدودها التاريخية بلا تفريط أو تنازل , ويدافع عن قدسنا بلا تجزئه أو تقسيم , هل كان سيتجرأ العرب على فعل ما يخالف ذلك التوجه الفلسطيني الصريح في رفض الإحتلال ومقاومته , ألم تفتح اتفاقية أوسلو المشؤومة أبواب التطبيع على مصراعيها للكيان الصهيوني ؟! ويقول المثل الفلسطيني " لن تكون الداية أحن من الوالدة ", فعلينا كفلسطينيين أن نحافظ على قضيتنا شامخة, وأن نرفع من سقف مطالبنا الوطنية ,فنحن نطالب بحق أصيل وليست منة أو منحة من أحد , وحينها لا يضرنا ما يقرره أحد بعيداً عن حقوقنا وتطلعات شعبنا , وسعيه نحو الخلاص من الإحتلال ودحره عن كامل التراب الوطني الفلسطيني .
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطين
14-12-2017م