مفارقة خطيرة وصادمة كشفت عنها القمة الإسلامية التي عقدت في تركيا ، وأظهرت بما لا يدعو للشك أن الرهان لا يمكن أن يكون على نظم متهالكة وتدور في الفلك الأمريكي . فلو عدنا لشهر أذار من هذا العام لوجدنا أن من حضر القمم الثلاثة التي عقدت في الرياض بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، 150 رئيساً وزعيماً عربياً ومسلماً . بينما في قمة الانتصار والذود عن القدس ورفض الاعتراف المشؤوم على أنها عاصمة الكيان الصهيوني الذي أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب ، فلم يستجيب للدعوة سوى 16 رئيساً ، ومثل تغيب كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، ورئيس لجنة القدس العاهل المغربي الملك محمد السادس عن هذه القمة ، ذروة الاستخفاف والاستجابة للضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني من أجل تعطيل أو إفشال القمة . وإن كان لرئيس السيسي مبرراته في التغيب كون القمة عقدت في تركيا ، ولكن ما هي مبررات تغيب العاهلين السعودي والمغربي سوى أنهما جزء من أدوات التعطيل والتخريب التي عادة ما تستخدمها الإدارة الأمريكية .
الإعلان الختامي للقمة وعلى ما تضمنه من فقرات وعناوين كما وصفه الكثيرون أنه أتى من خارج العمل الجدي والمسؤول في مواجهة التحدي الذي طرحه الرئيس ترامب والمتمثل باعترافه أن القدس عاصمة للكيان " الإسرائيلي " ، وهو قد مثلّ النقيض بين مبتدأ القمة وخبر الإعلان . فيما وجد فيه أخرون أنه عادي ولم يكن هناك افضل من ذلك ربطاً بأوضاع حال الأمة ودولها وما تمر به المنطقة من حروب وأزمات لم تبقي ولم تذر . وبالتالي ليس من الإنصاف أن يتم تحميل المجتمعين في القمة أكثر مما يحتملوه ، ونموذجهم رئيس السلطة السيد محمود عباس الذي اعتلى منصة القمة وألقى خطاباً عالي النبرة ، ولكن مخرجات إعلان القمة جاءت أقل بكثير لما تضمنه خطابه ، والسبب أن الإدارة الأمريكية وحدها تدفع للسلطة الفلسطينية ما يقارب 850 مليون دولار ، وهذا وحده كافٍ للقول أن السلطة ليس في مقدورها المواجهة طالما أنها رهينة المساعدات والهبات التي تدفعها الولايات المتحدة وغيرها . وهذا ينطبق على الكثيرين من الدول التي رهنت بقائها واستمرارها بالدعم الأمريكي لتلك الدول والأنظمة ، وإلاّ ما تفسير أن يزور الرئيس ترامب السعودية ويعود محملاً بحوالي 600 مليار دولار .
ليس هناك من عاقل في إمكانه أن يراهن على أنظمة بائسة لا حول لها ولا قوة سوى إرضاء أمريكا من خلال الهرولة نحو التطبيع ونسج العلاقات مع " إسرائيل " ، والعمل على استبدال أولويات الصراع في المنطقة كرمى لها . ولكن الوقائع وما شهدته العديد من العواصم رداً على اعتراف ترامب البلفوري إلاّ الشاهد على أن خيار الشعوب كان وسيبقى أن فلسطين قبلة الأمة في كفاحها ومقاومتها في مواجهة الحلف الامبريالي – الصهيوني – الرجعي ودحره على أرض فلسطين طال الزمن أم قصر .
رامز مصطفى
كاتب وباحث سياسي