تشكل انطلاقة اي تنظيم او حزب نقطة تحول هامة في مسار النضال الوطني الفلسطيني وخاصة لتجديد العد على مواصلة مسيرة الكفاح الوطني ، ومن هنا تتزامن انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المقاومة الاسلامية حماس ، مع ذكرى الانتفاضة الاولى خطوة مهمة في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، حيث تأتي انطلاقتهما في ظل حالة الغضب الشعب الفلسطيني والعربي بمواجهة قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال والعمل على نقل السفارة الامريكية الى القدس .
من هنا لا يسعنا إلا أن نؤكد على المنطلقات والأهداف التي تأسست الجبهة الشعبية لتحقيقها، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطين الديموقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني، عبر إسقاط المشروع الصهيوني العنصري الاستعماري، مدركين معكم أن هذا الهدف الكبير لا يمكن له أن يتحقق إلا بتوافر إرادة جامعة للأمة العربية، بعد أن تتحرر دولها من أنظمة الرجعية والتبعية التي شتت شملها وبددت ثرواتها وفرطت بقضيتها المركزية، قضية فلسطين ، مؤكدين أن الصراع مع العدو الصهيوني صراع وجود وليس صراع حدود، وأن خيار المقاومة والانتفاضة هو الاساس ، كما ان حركة حماس باعتبارها حركة اسلامية شكلت انطلاقتها مع الانتفاضة الاولى اضافة نوعية في الساحة الفلسطينية رغم التحديات والضغوط التي واجهتها نتيجة الواقع التي عاشته على اثر ما يسمى الربيع العربي، وبقيت متمسكة بخيار مقاومة المشروع الصهيوني، دافعة في سبيل ذلك أثماناً باهظة، من دم قادتها وكوادرها وفي مقدمتهم شيخها المجاهد احمد ياسين ، وسنوات كثيرة حُسِمت من عمر قادتها واعضاءها في زنازين ومعتقلات العدو الصهيوني.
عام بعد عام تحتشد الذاكرة وتزدحم بتاريخ طويل سطّرته الجبهة الشعبية بعرق رجالها الصناديد ودماء شهدائها الأبرار من الحكيم جورج حبش ، والأمين العام أبو علي مصطفى " قمر الشهداء " والشهيد الأديب غسان كنفاني وصولاً الى الاستشهادية الرائدة شادية أبو غزالة ، والقائد وديع حداد ، واسراها الابطال على رأسهم الأمين العام المناضل أحمد سعدات.
ان ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، التي تحتفل بذكرى انطلاقتها الخمسين ،هذه الانطلاقة التي تزخر قاموسنا النضالي بإرث من التضحيات الجسام في سبيل الحرية والاستقلال ، في ظل ظروف قاسية ومعقدة ومتداخلة ، وفي ظل هجمة امبريالية وصهيونية ورجعية ، تستدعي من القوى والفصائل مجابهة قرار ترمب وصفقته ومواجهة العدو الصهيوني بكافة أشكال النضال من خلال صياغة أبجديات اللغة التي يفهمها الاحتلال ، لغة الحجر والمقلاع ولغة البندقية المسيسة ، حتى لا تضل طريقها أبداً ولم تُرفع في غير وجه الاحتلال البغيض وقطعان مستوطنيه.
ان قوانا وفصائلنا نقشت اسم فلسطين وقضيتها في أزقة وشوارع وميادين كل عواصم الدنيا ، فعرف العالم آنذاك أن في فلسطين شعباً محتلاً يكافح من أجل استرداد حقوقه ، ومن حقه أن يعيش
بكرامة على أرضه وأرض أجداده ،تاريخ من المجد والبطولات ، حري بكل أحرار العالم ومناضليه ضد الظلم والاستعباد أينما وجد ، ومهما كانت هويتهم ، أن نكون بحجم التضحيات التي قدمها شهداء وفي مقدمتهم الرئيس الرمز ياسر عرفات وفارس فلسطين ابو العباس وكل القادة العظام، أولئك الذين مدوا جسوراً للحرية والاستقلال ، وأن تكون أداة فعلنا بمستوى تضحيات شهداء و أسراى وجرحى فلسطين .
امام كل ذلك نؤكد بان بوحدتنا وصمودنا ومقاومتنا وانتفاضتنا ننتصر ، هذه ثوابتنا ، ونطالب الجميع بالانحياز لمصالح الشعب والوطن والقضية ، بعيدا عن المصالح الشخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا ، فعين التاريخ والشعب لا تنام ، فكل من يدعي حرصه على الوطن وقضيته ومصالحه العليا عليه أن يتخذ موقفاً جاداً على الأرض باتجاه الوحدة وتطبيق اتفاقات المصالحة وإنهاء حالة الانقسام المشين الذي يخدم أولاً وأخيراً العدو الصهيوني ويحقق أهدافه في الانقضاض على مشروعنا الوطني وعلى المقاومة وتقويضها .
وفي ظل هذه الاوضاع نؤكد ونحن نهنئ رفاقنا في الجبهة الشعبية واخواننا في حركة حماس بانطلاقتهم ، هذه فرصة ثمينة لتطوير العلاقات الفلسطينية الفلسطينية بما يعزز صمود شعبنا الفلسطيني وهو يواجه النازية الجديدة ممثلة في الحركة الصهيونية وكيانها المزروع في فلسطين، فرصة لتوحيد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، والصيغة الفلسطينية للجبهة الوطنية في مرحلة التحرر الوطني التي لم تنتهِ ، لأن الصراع بين حركة تحرر وطني واحتلال استيطاني احتلالي إقصائي لن يرحل إلاّ بتحويله إلى مشروع خاسر بشرياً واقتصادياً وسياسياً ومعنوياً، ونحن نتطلع الى إعادة ملف القضية الفلسطينية إلى هيئة الأمم المتحدة، ودعوتها إلى عقد مؤتمر دولي لتنفيذ قراراتها ذات الصلة بالصراع لا التفاوض عليها، وأولها قرار 194 القاضي بحق اللاجئين في التعويض والعودة إلى ديارهم التي شردوا منها.
وفي ظل هذه الظروف التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني لحظات سياسية مفصلية ومصيرية في الساحة الفلسطينية، نتيجة القرار الأمريكي للأحمق ترامب بخصوص القدس، والذي جاء ليؤكد من جديد على عداء الولايات المتحدة الأمريكية لشعبنا ، هذا القرار الذي جاء في إطار المحاولات الأمريكية المستمرة لتصفية القضية الفلسطينية، وضمان أمن الاحتلال واستمراريته عبر ما يُروج له من حديث عن صفقة القرن والإجهاز على ممكنات وطاقات الأمة بحروب طائفية واثنية لا هدف لها سواء تفتيت الشعوب، تستدعي من دعوة القوى والاحزاب العربية الى استنهاض طاقاتها من اجل اقامة جبهة مقاومة عربية شاملة تكون اولى اهدافها التصدي للتطبيع وثانيا ان تعمل على دعم انتفاضة شعبنا على ارض فلسطين .
ختاما : لا بد من القول مناسباتنا عظيمتان نفتخر بهما للتاكيد على استمرار المسيرة في خدمة الاهداف الوطنية من اجل تجديد العهد والوفاء للشهداء والاستمرار على في مسيرة النضال الوطني، وصولاً للأهداف الوطنية التي خطّها شعبنا بدماء أبنائه وتضحيات رجالاته وقادته حيث تتزامن
المناسبتان مع حراك قومي ووطني وأممي تمسكاً بالقدس عاصمة أبدية لفلسطين وقبلة لكل الثوريين وأحرار العالم.
بقلم/ عباس الجمعة