“فيتو هايلي وزيارة بينس“.. أمريكا تواصل العدوان على فلسطين

بقلم: جبريل عودة

وقاحة سافرة وعدوان لا يتوقف , تواصل الإدارة الأمريكية عربدتها وبلطجيتها , فيما يتعلق بقضايا العرب والمسلمين , وفي القلب منها القضية الفلسطينية , فبعد القرار العدواني الذي أصدره الرئيس الأمريكي ترامب , بإعتبار مدينة القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني , تأتي خطوة إستخدام حق الفيتو إستكمالاً لمسيرة من العربدة الأمريكية وهيمنتها على المؤسسة الدولية , وتعطيل الأهداف المعلنة للأمم المتحدة ومؤسساتها في إقامة الأمن والسلام الدوليين.

قرار الفيتو الأمريكي جاء لرفض قرار تقدمت به جمهورية مصر العربية , بناء على طلب من السلطة الفلسطينية , وهذا القرار العربي الفلسطيني جاء بفحوى ينسجم مع الخيار الدبلوماسي العربي الرسمي , حيث أن القرار دعوة للتأكيد على ضرورة الإلتزام بقرارات صادرة في وقت سابق عن مؤسسات الأمم المتحدة ومنها قرارات مجلس الأمن , فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ووضع مدينة القدس المحتلة وأبرزها قرار مجلس الأمن رقم (478) لسنة 1980م , وكما أن القرار العربي المقدم لمجلس الأمن وأسقطته أمريكيا بإستخدام الفيتو , لم يذكر قرار ترامب الأخير بصريح العبارة , بالرغم من المعارضة الدولية الكبيرة لهذه القرار العدواني الصادر عن الإدارة الأمريكية .

رفعت نيكي هايلي يدها للإعتراض على القرار العربي , مدعية بأن هذا القرار من شأنه أن يعيق عملية " السلام" في منطقة الشرق الأوسط , وهل تبقى شيء من السلام المزعوم ؟ , أم أن عملية السلام في مفهوم أمريكيا , تعني توفير مقومات البقاء والسيطرة لدولة "إسرائيل" , من أجل إتمام مخططاتها في تهويد القدس المحتلة , وقضم أراضي الضفة وزرعها بالبؤر الإستيطانية , في مخالفة صريحة لكل القوانين والقرارات الدولية , ولا ريب أن يتم ذلك بحماية ودعم الإدارة الأمريكية للكيان الصهيوني في كافة المحافل والمؤسسات الدولية .

المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن , تعتبر نفسها محامية الدفاع عن "إسرائيل " , لتقول بصراحة بأنها لن تسمح بأي إدانة لـ "إسرائيل" في مجلس الأمن , وتدافع عن قرار ترامب في نقل السفارة إلى مدينة القدس المحتلة , بأن هذا هو قرار الشعب الأمريكي, فهل يعي الشعب الأمريكي خطورة هذه التصريحات اللامسوؤلة ؟ , التي تفتح باب العداء الفلسطيني العربي والإسلامي للشعب الأمريكي , وتضع أمريكا في مواجهة أمة بأكملها , حين تمارس هذا العدوان السافر على مقدساتها في فلسطين , فمن الذي يزرع الحقد والكراهية بين شعوب العالم ؟ ومن المستفيد من ذلك ؟ ولمصلحة من تقوم أمريكيا بكافة إداراتها المتعاقبة بدعم الإحتلال عسكريا وماليا وسياسيا ودبلوماسيا , أمام هذه الحالة العدوانية ليس أمامنا ألا جواباً واحداً , أننا كشعب فلسطيني يقع علينا إحتلالاً أمريكياً مباشرا, تقوم به بالنيابة مرتزقة العصابات الصهيونية.

وليس بمعزل عما سبق , تأتي زيارة مايك بينس نائب الرئيس الأمريكي , لمدينة القدس المحتلة يوم غدا الأربعاء 20-12 ,ومن المقرر له إلقاء خطاب في الكنيست الصهيوني, وذلك تعزيزاً لقرار ترامب بإعتبار مدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني, في رسالة واضحة بأن أمريكيا ماضية في قرارها وتعمل على تطبيقه على أرض الواقع , ولكن المحطة الأخطر في زيارة بينس لمدينة القدس المحتلة , هو زيارته المشؤمة لحائط البراق الذي يعتبر جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى , في تحدي وإستهتار بمشاعر العرب والمسلمين كافة , ودعماً للرواية الصهيونية فيما يتعلق بالمسجد الأقصى وخططهم الخبيثة , التي تهدف لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم , ولا يخفى على أحد أن قرار ترامب يوفر الغطاء الأمريكي ,لكافة الخطط التهويدية التي تتعرض لها مدينة القدس المحتلة , بما فيها تلك التي تستهدف المسجد الأقصى المبارك.

من المفارقات التي تفيد بعشوائية الموقف العربي الرسمي , وتؤكد عبثية الرهان على الأنظمة العربية , أن تقوم جمهورية مصر بتقديم القرار العربي في مجلس الأمن ضد قرار ترامب , ولا تعبر عن رفضها للقرار برفض إستقبال نائب الرئيس الأمريكي الذي يزور القاهرة بعد غداً , فهل يستقيم في العرف الدبلوماسية أن تقدم دولة قرار ضد دولة أخرى , تم في أقل من 24 ساعة يأتي مبعوث رفيع من تلك الدولة (أمريكيا) لزيارة رسمية للدولة مقدمة القرار (مصر) لبحث في تعزيز العلاقات الثنائية وإستمرار التعاون في ملفات إستراتيجية فيما بينهما ! , ومع ذلك نشيد بالموقف الشعبي المصري الرافض لزيارة بينس , والذي تمخض عنه قرارات من المؤسسة الدينية المصرية , بعدم المشاركة في إستقبال نائب الرئيس الأمريكي , وصدرت هذه القرارات عن شيخ الأزهر أحمد الطيب ,وكذلك بابا الأقباط تواضرس الثاني, وذلك رفضاً لقرار ترامب حول مدينة القدس .

يحكي المشهد لنا قولاً واحداً , بأن أمريكيا وترامبها يواصلان العدوان ضد فلسطين ومدينة القدس المحتلة , إبتداءً بقرار إعتبار القدس عاصمة للإحتلال , ومروراً بالدفاع عنه في مجلس الأمن عبر فيتو هايلي , ولن يكون آخرها زيارة بينس للقدس ولحائط البراق , فأمريكا في قلب آلة التهويد التي تدور في القدس وليست بمعزل عن كل الإجراءات التي يقوم بها الإحتلال أو تلك التي يخطط لها سعياً لإكمال سيطرته على مدينة القدس وتهويدها , فأمريكا قد كشفت قناعها وأزالته بلا إستحياء , فلم تعد بحاجة إليه لتمرير كل الدعم والإسناد والحماية للإحتلال الصهيوني في فلسطين , وهذا الصورة الجلية التي تفضح الدور الأمريكي القذر في إستمرار إحتلال فلسطين وتعزيز سيطرة الصهاينة عليها , تتطلب منا كفلسطينيين أن نكون أكثر وحدة وتماسك في مواجهة الهجمة العدوانية الخطيرة التي تتعرض لها قضيتنا الفلسطينية , ونأمل أن يكون عدم إستقبال الرئيس عباس لنائب الرئيس الأمريكي بينس بداية اليقظة الوطنية , وأن تكون الرئاسة الفلسطينية قد وصلت إلى قناعة لإنهاء الرهان على التسوية وراعيتها أمريكا ,لذا فإن المطلوب أن نعمل موحدين لتعزيز عوامل الصمود والقدرة على المواجهة وإفشال المؤامرات , عبر تطوير وإصلاح المؤسسة الفلسطينية الوطنية ,بتسهيل إجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير كما هو متفقا عليه , والعمل على بلورة رؤية وطنية شاملة تعيد الإعتبار للقضية الوطنية , وتتمسك بالحقوق الفلسطينية وتعزز من دور المقاومة بكافة أساليبها كخيار إستراتيجي في مواجهة المشروع الصهيوني , بكل تأكيد سيحدث ذلك فارقاً كبيراً , في مسار تقدم القضية الفلسطينية نحو إنجاز الحرية والإستقلال الوطني .

بقلم/ جبريل عوده