فاطمة نزال شاعرة الوجد الروحي

بقلم: شاكر فريد حسن

فاطمة نزال شاعرة فلسطينية ناعمة ورقيقة ودافئة ومرهفة متعمقة في أسرار الكلمة ، قادمة من بلدة قباطية في الضفة الغربية ، تتنفس الحروف ، وتنسج الكلمات ، وتسبح في ملكوت الابداع والفن الراقي . تقريت نصوصها التي كانت تنشرها في بعض المواقع الالكترونية ، وراقني بوحها الرقيق الشفيف في قصائدها الوجدانية الفاتنة .

وقد أحتفيت مع عشاق الحرف وأهل الثقافة والأدب بديوان فاطمة نزال الموسوم " أصعد إلى عليائك فيّ " الصادر عن مكتبة كل شيء في حيفا لصاحبها الناشر صالح عباسي في بدايات العام الحالي ٢٠١٧ .

وأجمع كل من قرأ وكتب عن الديوان على شاعرية فاطمة نزال الحقيقية ، واعتبروها المفاجأة الشعرية الفلسطينية القادمة ، وقال الكاتب الفلسطيني المقدسي جميل السلحوت : " فاطمة نزال ... يكفي انك شاعرة " .

جاء الديوان في ١٢٤ صفحة من القطع المتوسط ، وطباعة أنيقة ، وقدم له الكاتب التونسي حبيب بلحاج سالم ، وزينت الغلاف لوحة الفنان الفلسطيني محمود شاهين ، وأهدته الى روح أمها البهية .

وكتب بلحاج عن " قلبها ألف باب " وأشاد بالديوان وقصائده ولغته المفتوحة الدلالة ، مشيراً الى " بكائية الحس والروح ، وهي تتحول ، ليظهر طرفاها في وحدة الحسي والروحي أو الحس الروحي ، هي العصب الشعري الذي يشد كل المدونة الشعرية لفاطمة نزال " .

ديوان فاطمة نزال " أصعد الى عليائك فيّ " هو حروف من فيض القمر ، وتراتيل من عمق الروح ،  وأناشيد من خفقات القلب ، وينقسم الى مجموعات ثلاث ، المجموعة الأولى تتناول وتركز على القضايا الانسانية في بعدها الذاتي والوطني العام ، بينما المجموعة الثانية فهي وجدانيات ورومانسيات الحب الشفيف والغزل الناعم ، والمجموعة الثالثة ومضات شعرية وقصائد قصيرة جداً تركتها فاطمة دون عناوين ،  وهي نبضات روحية وجدية بنزعة صوفية .

وتحضر الأم بقوة في ديوان فاطمة ، الذي اهدته الى روحها ، وهل هناك أعز وأجمل من ست الحبايب ، فهي تمثل الحنان والعطف والحب والدفء والوفاء ، ورحيلها ترك حزناً كبيراً وعميقاً في وجدانها ، ولم تجف مآقيها بعد لفراقها .

ما يميز ديوان فاطمة نزال هي اللغة المنسابة المدهشة المعتمدة على الألفاظ ذات الجرس الهادىء ، وامتزاج موضوعاتها وموتيفاتها بحيث تركز على الذات والقضايا العامة بابعادها الانسانية ، لتتشكل من خيوطها لوحات ابداعية ونسيجاً شعرياً متماسكاً .

 ونلمح في قصيدتها تنوع حالات الذات ، ما بين الغوص في الأفق الرومانتيكي وتجليات الكتابة والحرف والشغف الى المنتهى . وتأتي صورها الشعرية بايقاعاتها وجمالياتها بطابع وجداني واحساس عاطفي جياش .

وتتصف عناوينها وقصائدها بغنى الايقاع وانسيابية لغتها وحروفها كنهر في اوردة وشرايين المتلقي  ، فهي تبوح بما في روحها وأعماقها من مشاعر وعواطف مقطرة متدفقة ، لنسمعها تقول :

اصعد إلى عليائك فيّ

قد نذرت لك ما تكاثف في مزن الروح

وما يساقط من رطب

وما أنضجه قيظ السوق

وما تخمر من عنب

قد نذرت لك

كل ما أوحى به الحرف إلي

اصعد إلى عليائك فيّ ...

واشرب نخب الجنة ..

ديوان فاطمة نزال مشبع بالنزعة الوجدية ، وتحتفل قصائده والتأملات التي ترافقها بأحوال العشق ومقامات الوله والشغف ، وتتكىء على مفردات وتعابير عن الحب الذي يخالجها بكل تجلياته ، وهي تجسد أهواء الحب العاشقة الثملة ، والوجد الصوفي في اتقاده الروحي ، بعفوية وشفافية ، واندفاع شعري ، وصبوة وجدية تتخطى حواجز اللغة وقواعدها:

دثرني بأهداب عينيك

ولا تخش ثورة الدمع إن انهمرت

فانني أحتاج التعمد بطهرها

حانت طقوس الانعتاق

فتعال ندرك بعضا من عصارة الحب نبيذاً

يثمل من رحيق الزهر

ويشجي حروف القصيدة

والحب عند فاطمة هو شفافية نفسية ولهفة كيانية ، وهو جماليات الحياة بكل ايحاءاتها وتشعباتها ، ويتجلى ذلك في شعرها من خلال بوح هادىء أنيق وراق يتسلل الى حنايا الوجدان بالعذوبة الناعمة والحنين والشوق المتألم والوصال المبتهج :

تفقد كفي روحي

إنهما يرسمان

لوحة عشق على جسدي

كيف أتلمس دفئهما  

كيف الاحق شبق عددهما

على مرابع صباي

كيف بسعيهما بين صفاي ومرواي

قد فجرا ينابيع حنيني

الى قبلة من شفتيك

ديوان فاطمة نزال يتمير بجدة وفرادة اللغة والانسجام ما بين نداء الروح وحرارة الجسد ، ونلمس في قصائدها ايحاءات جنسية وتركيز على الجسد ، وهذا دليل جرأة فاطمة في البوح والتعبير عن ذاتها ودواخلها ومكنونات نفسها ، وعن العذاب النفسي والظمأ العاطفي الشبقي والعطش الوجداني :

حين قبلتك ذات عناق لمقلتينا

لم أدر أن تلك القبلة

ستفتح النار ومن كل الجهات

وهي تكثر من استخدام كلمات العشق والحب وشهد العناق والحنين والوجد والوصل ورجفة الجسد وغيرها من المفردات والكلمات الدالة الموحية .

وتتماهى فاطمة نزال في العلاقة العشقية الحميمة ، وتتغلغل عميقاً في حنايا العشق الجسدي لترسم صورة لهذه العلاقة التي تبلغ منتهى الاكتفاء ، منتهى الحب :

تلك الشهقة

التي لفحت أذن الشجرة

وشوشت خد أغصانها

اشعلت الصيف في الحديقة

واطفأته بشتاء دافىء

لوحات فاطمة نزال الشعرية في ديوانها " أصعد إلى عليائك فيّ " تمثل تجربة مهمة وطليعية في عالم الابداع وأبجديته الفنية الجمالية ، وترتقي بحسها النشوان الى مصاف التأمل ، وتعبق سحراً وجمالاً .

ومن نافلة القول أن فاطمة نزال تملك أناقة الحروف وجمال الصورة ، وهي علامة خاصة ومميزة ، وصوت شعري طافح بالرقة والعذوبة والطلاوة والسلاسة ، مع ما تختزنه في عمقها من ألم وشجن انساني . انها شاعرة الوجد والعشق بلا منازع ، تمتعنا وتسحرنا بخيالها السابح في جداول الكلمات ، وتشبع الاحاسيس والوجدان بدفء كلماتها وعبق حروفها وعبير تعابيرها وحرارة عاطفتها التي تتجلى في شعرها الذي لا يقاوم .

بقلم : شاكر فريد حسن