من الواضح في نص القرار الذي قدمته اليمن وتركيا عن مجموعة الدول العربية والاسلامية , والذي أجيز بتصويت ( 128 دولة مع ) و( 9 دول ضد ) و ( 33 دولة امتناع عن التصويت ) و ( 23 دولة غياب) , أنه لم يأت على ذكر الولايات المتحدة بالاسم , وإنما بالإشارة والتلميح , وهو على ما يبدو للتقليل من عدد المعارضين , وكسب أكثر من المؤيدين للقرار , وذلك بعد تهدد الولايات المتحدة للدولة التي ستصوت مع القرار , والذي نص على ما يلي : " تؤكد الجمعية العامة للأمم المتحدة أن أي قرارات أو إجراءات يقصد بها تغيير طابع مدينة القدس أو وضعها أو تكوينها الديمغرافي ليس لها أثر قانوني وتعد لاغية وباطلة ويتعين إلغاؤها امتثالا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة , وتعرب الجمعية العامة، في قرارها، عن الأسف البالغ إزاء القرارات الأخيرة المتعلقة بوضع القدس , وتهيب في هذا الصدد، بجميع الدول أن تمتنع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشرقية المحتلة عملا بقرار مجلس الأمن رقم 478 الصادر عام 1980 , وتطالب الجمعية العامة جميع الدول بالامتثال لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس الشريف، وعدم الاعتراف بأي إجراءات أو تدابير مخالفة لتلك القرارات".
التصويت الذي جاء بغالبية 128 دولة من عدد دول الأمم المتحدة الــــــ 193 , وهو ما نسبته 66.32 % , أي ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحد , وهي نتيجة تعتبر جيدة في ظل التهديد الأميركي للدول التي ستصوت إلى جانب القرار.
وبالنظر إلى الدول المعارضة التسع فهي لا تمثل سوى نسبة 4.66% من عدد دول الأمم المتحدة , وهي بالطبع الولايات المتحدة واسرائيل , وأربع دول صغيرة غير معروفة عبارة عن مجموعة جزر تابعة للولايات المتحدة , وهي دائمة التصويت ضد القرارات التي تخص القضية الفلسطينية , غير أن المؤسف أن تصوت ضد القار دولة افريقية مسلمة هي ( توغو ) وهي دولة في منظمة التعاون الاسلامي , إلى جانب دولتين من أميركا اللاتينية هما هندوراس وغواتيمالا .
أما الدول التي امتنعت عن التصويت وعددها 33 دولة فهي تمثل ما نسبته 17% , وهي خليط من دول أوروبية وافريقية وآسيوية , لكن من المستغرب أن يكون بينها عدد من الدول الاسلامية وهي : البوسنة وألبانيا والكاميرون , وعدد من الدول الافريقية الصديقة مثل الكونغو ورواندا ومالاوي , بينما من الدول الأوروبية الكبرى امتنعت عن التصويت بريطانيا وألمانيا .
أما الدول التي تغيبت عن التصويت وعددها 23 دولة , فيبدو أنها آثرت عدم الاحراج سواء مع الولايات المتحدة , او مع فلسطين والدول العربية , ونسبتها تبلغ نحو 12% من عدد الجمعية العامة , لكن المستغرب أن تكون بينها دول اسلامية مثل زامبيا وسيراليون وتركمنستان .
وبهذه النتيجة تكون القضية الفلسطينية قد كسبت موقفا سياسيا جديدا , بفعل الديبلوماسية الفلسطينية الناجحة , والدعم العربي الكبير من جميع الأشقاء العرب , ولكن المؤسف أن بعض الدول الاسلامية التي اجتمعت في استنبول قبل أيام في قمة منظمة التعاون الاسلامي , لم تلتزم بقراراتها الرافضة لقرار الرئيس الاميركي ترامب , واحداها وهي " توغو " اصطفت إلى جانب اسرائيل واميركا , ولذا وجب معاقبتها وطردها من منظمة التعاون الاسلامي , كما يجب توجيه التحذير واللوم لباقي الدول الاسلامية التي امتنعت عن التصويت أو تغيبن عن الجلسة , والعمل السياسي مع باقي الدول في افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية لتجذي موقفها أكثر إلى جانب قضية فلسطين والقدس.
د. عبد القادر فارس