إن كان ترامب يدرك أم لم يُدرك أن اعترافه بالقدس عاصمة للكيان " الإسرائيلي " ، سيقيم الدنيا ولم يقعدها من حوله ، فهو أي ترامب قد وقع في شرك ما يبيته للقضية الفلسطينية ، وشركائه في " إسرائيل " ، ودول إقليمية بعينها تعمل على زخرفة وتجميل الوجه القبيح للسياسة الأمريكية العدوانية اتجاه القضية الفلسطينية والقضايا العربية . والدول المهرولة للتطبيع مع " إسرائيل " تعلم علم اليقين أن قرار ترامب حول القدس هو المقدمة للسير حثيثاً في صفقة القرن لفرضها على الفلسطينيين . وهذا ما عبر عنه وزير خارجية المملكة السعودية عادل الجبير في اليوم التالي للاعتراف الترامبي ، حين صرح لقناة " فرانس 24 " ، معبراً عن اعتقاده بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جادة بشأن إحلال السلام بين الإسرائيليين والعرب . ومضيفاً في تصريحه أن الأمريكيين " يعملون على أفكار ويتشاورون مع كل الأطراف وبينها السعودية ويدمجون وجهات النظر التي يعرضها عليهم الجميع " ، ومشيراً إلى أنهم ، أي الأمريكيين قالوا : " إنهم يحتاجون لمزيد من الوقت لوضع خطة للتسوية في الشرق الأوسط وعرضها على الأطراف المعنية " .
اعتراف ترامب لم يمر مرور الكرام ، فسقطت رهاناته أن هذا القرار لن يجد من يعارضه أو يعترض عليه ، وبأن الصراخ والصخب في ميادين وشوارع عدد من العواصم في العالم ، بما فيها الأراضي الفلسطينية المحتلة ، سرعان ما سينتهي بعد وقت قصير . وهذا ما ذهبت إليه المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة " نيكي هايلي " حين صرحت بالقول : " لا أشعر بالقلق إزاء منتقدي قرار ترامب ، فكل مرة حين نكون مضطرين إلى اتخاذ خطوات شجاعة والمضي في اتجاه معاكس للوضع القائم ، سيكون الأشخاص الذين يقولون إن السماء ستسقط على الأرض ، لكن هذا غير صحيح " .
نعم السماء لم تسقط ، ولكن وقع ما لم يتوقعه ترامب وإدارته ومندوبته ، فالعالم بأكمله من دونها و" إسرائيل " ، ودول بمجموعها تكاد لا تُرى على خارطة العالم إلاّ بواسطة مجهر مكبر ، وقف رافضاً الجريمة التي اقترفها ترامب في خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة ل" إسرائيل " ، ومطالبةً اياه الانصياع لقرارات الشرعية الدولية . وإن تمكنت الولايات المتحدة أن تنجو برقبتها في مجلس الأمن ، باستخدامها حق النقض الفيتو ، في مواجهة الدول الأربعة عشرة التي وافقت على مشروع القرار المصري حول القدس ، غير أن التصويت الذي جرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وموافقة 128 دولة على مشروع القرار الإسلامي العربي المقدم عبر تركيا واليمن ، جاء ليؤكد على مسألتين ، الأولى أن حملة التهديد والابتزاز والسمسرة التي مارستها أمريكا ومندوبتها هايلي بحق الدول التي تحصل على مساعدات وهبات أمريكية لم تفلح على الإطلاق ، بما يعكس أن الدول أدركت أن الكرامة والسيادة الوطنية لها غير قابلة للتصرف أو الصرف . والثانية أن الوعي الذي تراكم على مدار كل العقود الماضية نتيجة السياسات الأمريكية التي غطت ولا زالت الجرائم " الإسرائيلية " بحق الشعب الفلسطيني وقضيته الأعدل والأوضح ، قد أصبح لزاماً على دول العالم أن ترفع في وجه الولايات المتحدة وسياساتها البطاقة الحمراء ، وتوجه لرئيسها صفعة القرن ، وهي قد مارست وبمسؤولية أخلاقية عالية في رفضها قرار ترامب بحق القدس .
رامز مصطفى
كاتب وباحث سياسي