"العربي يسمع"، مقولة صاغها لـ"بنيامين نتنياهو" قبل أكثر من 25 عامًا، ووردت أكثر من مَرة في كِتابه المعروف (مكان تحت الشمس) الصادر في تسعينيات القرن الماضي، وهذه العبارة تُشكّل حجر الزاوية في عقلية نتنياهو الفاشية، وتَقع في صُلب النظريّة العرقية التي يتبناها ويؤمن بها بعمق في نظر ته إلى الشعوب والأعراق وفقاً للتقسيمات الكلاسيكية الاستعمارية، وما وّلدته مِن منظومات فكرية أبرزها، الفكر الفاشي الذي نهلت منّه الحركة الصهيونية ومُنظريها طوال أكثر من قرن.
هذه العبارة ، تختصر سياسة نتنياهو في تعاطيه مع العرب عموماً، والفلسطينيين على وجه التحديد، فالممارسات الاحتلالية في ظل حكومة نتنياهو، بل وكانت الخط العريض الذي رسم سياسيات "اسرائيل" في عقودها السبعة.
كما يعتقد نتنياهو، أن العرب - من ناحية عرقية- مفطورون على الخنوع ويتسمون بالجبن، وعبارته سالفة الذكر، تتقاطع مع عبارة "ليبرمان" المعروفة (العربي ينبح، لكنه لا يعض)، وتتقاطع مع سلسلة مع العبارات المشابهة والواردة على ألسنة قادة هذا الكيان الفاشي، فالصهيوني "رفائيل هيتان" وصف العرب بالصراصير المسمومة داخل قنينة، فيما وصفهم "عوفاديا يوسف" بالأفاعي السامة!.
ومن الجيد أن نتذكر نحن العرب مثل هذه العبارات في هذه المرحلة، ونوّد أن نذّكر تحديداً العرب الذين يقيمون علاقات مع هذه الدولة وخاصة دول الخليج، التي باتت علاقاتها تتعزز كثيراً مع "اسرائيل" في الآونة الأخيرة، لتعرف شعوبها مدى الاحتقار والكراهية التي تكنهه هذه الدولة للعرب عموماً. فنتنياهو يعني ما يقول، فهو مقتنع بأنّ العرب يخنعون وأنّ مقاومتهم استثناء أمّا القاعدة فهي الخنوع ، وما عليك إلاّ أنّ تصمد أمام العرب وستجدهم يركعون أمامك ويستسلمون لك.
هذا هو نهج نتنياهو بالتعاطي مع العرب، ويتبجح بذلك علانية، فهذه السياسة تشكل رؤية ثابتة لديه، سواءًا في علاقته مع بعض الدول العربية التي تقيم علاقات سرية وعلنية مع "اسرائيل"، أو وفق منظوره الخاص لتسوية السياسية مع الفلسطينيين، التي لا يرى فيها سوى إخضاعاً شاملاً للفلسطينيين من خلال فرض الحقائق على الأرض.
لن نتصدى لعبارة نتنياهو التافهة، ويكفي التفكير لبعض الوقائع التي ثبتت خنوع "اسرائيل" وجيشها وقادتها في العقديين الماضيين، فقد خنعت "اسرائيل" أمام حزب الله، وانسحب عام 2000 من لبنان، وخنعت مرة ثانية عام 2006 ، كما خنعت "اسرائيل" أمام أبطال الانتفاضة الثانية، وانسحبت مرة ثانية من غزة، وخنع نتنياهو ودولته قبل أشهر، بعد أن أجبر صاغرًا على إزالة البوابات الالكترونية من داخل المسجد الأقصى.
و شاهد العالم أحد جنود هذا الكيان الفاشي وهو يتلقى صفعات وركلات الفتاة العربية الفلسطينية البطلة عهد التميمي.
في حين تبجح "ترامب"، الطبل الأجوف القادم من مزابل التاريخ، بعد إعلانه القدس عاصمة للكيان الصهيوني، بأن هذا القرار نهائي وحاسم، و ليس على العرب سوى أن يخنعوا ويستسلموا أمام هذه الحقيقة، قبل أن يتحوّل "ترامب" إلى نكتة سمجة يلوكها العالم كله.
أما نتنياهو، المصاب بـ"البارانويا"، يواجه هو الآخر سخريات لاذعة بتعمده إعلان مواقف سياسية نارية، في الوقت الذي يفتح فيه الحرب على القضاء والشرطة والصحافية في "إسرائيل"، بهدف التغطية على فساده الذي بدأ يتفسخ وتفوح رائحته.
ويتوارد إلى الذهن سؤال : "ماذا كسب نتنياهو من إعلان ترامب الأخير، ومن الذي سيخنع في نهاية المطاف : نحن العرب أم هو؟
بالعودة إلى عبارة نتنياهو آنفة الذكر، والتي لا ترى أن للعرب دورًا سوى الخنوع، وبما أن عبارته مجرد إدعاء غبي وكلام فارغ يتغذى من بقايا الفكر الاستعماري البائس، فلن ننشغل في الرد عليها ومحاولة إثبات نقيضها، إذ وحدها الأيام تحمل في ثناياها الرد المناسب عليها، قولًا وفعلًا.
لكن، أجدني أتوجه بالسؤال لكل عربي من المحيط إلى الخليج : هل سيخنع العرب لـ"اسرائيل"؟ وهل سيسلم القدس كعاصة لـ "اسرائيل"؟ سؤال أجده ملّحًا في ظل المعركة التي فتحت على مصراعيها بعد "وعد ترامب"، ليس بالنسبة لمستقبل القدس فقط، بل إلى مستقبل الوجود الفلسطيني الذي يعد امتدادًا للهوية العربية الجامعة، والإجابة المرضية – وفقًا لرأيي- تقتضي الأفعال وليس الأقوال والشعارات، المرحلة تستوجب ردًا يجعل "الفاشي نتنياهو" يفهم من هو العربي، الحرّ وليس الخانع.
الأسير- كميل أبو حنيش مسئول فرع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال.