يمر شعبنا الفلسطيني وقضيته اليوم بنقطة نهاية صغرى جديدة على منحنى الحقوق الفلسطينية، فى الصراع الفلسطينى الاسرائيلى، ورغم أن المنحنى ظل دوما فى اتجاه الهبوط، إلا أن النهاية الصغرى اليوم هبطت كثيرا إلى الأسفل وهبط معها مزيد من حقوق هذا الشعب المظلوم، والذى كان قدره أن يواجه لوحده أعتى قوة فى العالم، ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان تعبير الولايات المتحدة الصهيونية أصبح اليوم أكثر تعبيراً عن سياسة الإدارة الأمريكية الحالية بزعامة دونالد ترامب تجاه القضية الفلسطينية .
ويواجه اليوم الفلسطينيون وحدهم ودون نصير فعلي؛ بأجسادهم آلة البطش الإسرائيلية فى فصل جديد من فصول أكبر مؤامرة عبر التاريخ، تحاك ضد شعب بدأت فصولها الأولى منذ ما يزيد عن قرن من الزمن، لكن الجديد أنه يراد له أن يكون الفصل الأخير والختامى، ومطلوب من هذا الشعب اليوم وبكل بساطة أن يوقع على وثيقة استسلام وتسليم بالأمر الواقع الذى فرضه الاحتلال عبر سبع عقود من الظلم والاضطهاد والاستيطان .
وطبقا لميزان القوى فى الصراع الفلسطينى والعربى الاسرائيلى، فإن أى تسوية اليوم لن تكون إلا ترجمة لما هو قائم على الأرض، فالتسوية بمنظورها الاسرائيلى والأمريكى الصهيونى، هى ببساطة شرعنة الواقع عبر اتفاق يوقع عليه الفلسطينيين، وعبر سياسة العصى والجزرة والتى تعتقد الإدارة الأمريكية أن بمقدورها انتزاع التوقيع الفلسطينى تحت سيف التهديد بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية، وعبر التهديدات العسكرية الإسرائيلية بآلتها العسكرية، وعبر وعودات الحوافز الاقتصادية، والمساعدات السخية الغير مسبوقة، والتى سيتكفل بجلها دول البترودولار العربية .
هكذا رسمت إدارة ترامب خطة التسوية فى وقت تعتقد أنه يمثل فرصة ذهبية، لن يجود التاريخ بمثلها حيث الفلسطينيون والعرب والمسلمون فى أوهن أوضاعهم التاريخية، وتدرك الإدارة الأمريكية ومن وراءها إسرائيل أن تسوية من هذا القبيل لن تحل الصراع، لكن تدرك كذلك أن هذه التسوية ستدعم بشكل غير مسبوق الرواية التاريخية الصهيونية المزعومة، وستمنحها الشرعية التى تفتقدها، وهو ما يعنى تدعيم إسرائيل قانونيا فى مراحل الصراع القادمة، لكن إدارة ترامب ارتكبت خطأ فادح عندما دفعتها تلك الإغراءات للإقدام على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فلم تدرك تلك الإدارة الإنجيلية برئيسها النرجسى، أن القدس هى أهم أعمدة التسوية، وأن إخراج هذا العمود من بنية التسوية يعنى أن ليس ثمة تسوية حتى ضمن معادلة الواقع المفروض بالقوة.
ولقد أظهرت خطوة ترامب جانب خفى للصراع، ألا وهو حجم ارتباط شعوب المنطقة والعالم بهذا الصراع، وربما يدرك ترامب اليوم من ردة الفعل العالمية على قراره حجم ضحالته السياسية، عندما اعتقد أن بمقدوره اختصار الصراع بطرفين، وحله عبر صفقة تجارية على الطريقة الأمريكية الرأسمالية المتوحشة، وربما يدرك أن قضية فلسطين أكبر من أن تُحل عبر تفاهمات فى الغرف المغلقة مع زعماء الواقع الإفتراضى البترودولارى الأمريكى، وربما يدرك اليوم أن يد الطفلة عهد التميمى التى صفعت وجه الجندى الاسرائيلى هى من ترسم حل الصراع، لأن تلك اليد الصغيرة أقوى من يد أصحاب الغرف المغلقة ذات المقابض الذهبية، فهى ببساطة تستطيع تحريك الملايين فى المنطقة والعالم بحجر أو بصفعة، أو حتى بإشارة نصر ترفعها .
وأمام هذا المشهد المطلوب من الفلسطينيين اليوم هو الصمود وإدارة الصراع عبر استراتيجية جديدة، تعتمد على الخطوات التالية :
1. إدارة الصراع بمفهوم المفاومة ( بالفاء وليس القاف) ، والمفاومة هنا تعنى المزاوجة بين التفاوض والمقاومة معا، بمحددات لا تمنح إسرائيل أى نوع من الشرعية لروايتها التاريخية المزعومة، وأن لا تعطيها أى شرعية فى أى سنتيمتر واحد احتلته داخل حدود الرابع من حزيران 67 ، كما أن المفاومة تعنى أن لا يكون الاحتلال مجانى، بل يجب أن يكون مكلفاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً .
2. كسر الاحتكار الأمريكى للتسوية بتدويل القضية الفلسطينية، والتمسك بمقررات وقررات الشرعية الدولية، ونقل ملف الاستيطان لمحكمة الجنايات الدولية، تمهيدا لنقل كل جرائم الاحتلال الاقتصادية والمتمثلة فى نهب ثروات الضفة الغربية الطبيعية والمائية، إضافة لجرائمها الثقافية بحق التراث التاريخى الفلسطينى المنهوب عبر حملات التنقيب الإسرائيلية التى جرفت الضفة والقطاع والقدس من آثار مراحل تاريخية بعينها وذلك لصالح روايتها التاريخية المزعومة .
3. تفعيل سلاح المقاطعة لإلسرائيل بالتنسيق مع كل أصدقاء الشعب الفلسطينى بالعالم، ونبذ إسرائيل دوليا عبر منظمات المجتمع المدنى الدولية، وتعرية الاحتلال وكشف جرائمه بحق الشعب الفلسطينى الأعزل، وإظهاره على حقيقته .
4. تحويل الاحتجاجات الحالية إلى انتفاضة الاستقلال، وعلى سلاح المقاومة أن يتحول إلى سلاح دفاعى، لا هجومى لصد أى عدوان مسلح على شعبنا حيثما وجد، لكى لا يجرنا الاحتلال الاسرائيلى إلى ملعبه الذى يتفوق فيه علينا عسكريا.
5. ضرورة إنهاء الانقسام بإرادة فلسطينية تعلوا على كل المصالح الشخصية والفئوية والتنظيمية، وعلينا أن نكون بحجم عدالة قضيتنا وبحجم التضامن الدولى معنا .
لقد انهزمت الغطرسة العسكرية الاسرائيلى أمام ما امتلكه إبراهيم أبو ثريا وعهد التميمى من عزة ووطنية وكرامة ، فهم بصفعة وعلم وشارة نصر وبإرادة أقوى من الجبال أعادوا للقضية الفلسطينية بريقها ولشعبها العظيم كرامته.
بقلم/ د. عبير ثابت