الدكتور عمر سعيد سياسي بارز في الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل ، ومناضل عريق في ميادين الكفاح الوطني ، ومثقف طليعي نوعي وعضوي بمفهوم غرامشي ، وكاتب أصيل رفيع المستوى من طراز نادر ومختلف ، وهو من رواد التقدم والعقلانية والاستنارة ، ومن الأقلام الجميلة الرصينة الفريدة المتميزة الملتزمة بقضايا الوطن والعصر والفكر العلمي العقلاني ، ويسحرنا ويجذبنا بجمال اسلوبه وعذوبة كلماته وتعابيره ومفرداته البليغة ومواضيعه الفكرية ذات البعد الفلسفي ، وتحليلاته السياسية العميقة .
عمر سعيد يتميز بالمنهج العلمي الفلسفي ، واستقلالية الرأي ، وحرية الفكر والتعبير ، وهي الراية التي لم تسقط من يده طوال مسيرة عطائه الممتدة مند انخراطه في صفوف حركة " أبناء البلد " التاريخية ، التي خاض فيها العديد من المعارك الفكرية مدافعاً ببسالة عما يراه حقاً وصدقاً ، وقد أثارت كتاباته نقاشاً وجدلاً بين صفوف اليسار الديمقراطي ، ومن معاركه الفكرية نقده لظاهرة التطرف الديني وتيارات التكفير الدموية وللموروث الفقهي المتصل بالشأن العام ، والذي تمتع بقداسة عالية .
قاد د. عمر سعيد على مدى العقود الثلاثة الأخيرة وأكثر حراكاً فكرياً وثقافياً وسياسياً خلاقاً بحركة دانية لا تعرف الكلل والملل ، وبجهود ذاتية خلاقة بقيادة مسار فكري رفيع ، ونحن ندين له بفضل كبير لأنه استطاع ترسيخ وعي فكري تنوري وفكر فلسفي عميق ، والقيام بجهد كبير في الحراك السياسي ، والمشهد الفكري الفلسطيني الراهن .
د. عمر سعيد من بلد الرمان كفر كنا ، وهو أكاديمي متخصص في علم الأدوية النباتية ، ويدير مركز وشركة " الانطاكي - بيليف " ، التي يقول عنها " انها أقرب الى مشروع ثقافي وطني من كونها شركة ربحية بحتة ، وذلك لانها تعتمد رؤية متكاملة تجاه دورها في احياء الطب العربي ، لهذا يمكن ايضاً اعتبارها شركة "ايديولوجية " ، أي ذات رؤية وعقيدة محددة المعالم تدفعها في الاستثمار الممنهج في الجوانب الثقافية والتعليمية والبيئية ، واشاعة الوعي الشعبي والتخصصي في عملية تحديث واعلاء شأن طبنا العربي ، وهي أيضاً شركة عربية رائدة في البحث وتطوير المنتجات الطبيعية ، وتصدرها للعالم كمنتج مادي مع محموله الثقافي كشرط لأي تعاقد تجاري " .
وهو من قيادات حركة " أبناء البلد " المنضوية تحت خيمة حزب التجمع الوطني الديمقراطي ، ويساهم بفعالية في النشاط السياسي - الفكري - الثقافي ، والعمل الوطني الأهلي ، وفي تأصيل القيم الوطنية ، وتطوير خطاب فكري نقدي عقلاني تنويري مميز ، ومشروع سياسي مختلف ، وله كتابات سياسية ونقدية ، وكنا قرأنا بواكير كتاباته في صحيفتي " الراية " و" الميدان " المغلقتين قسراً ، ثم راح ينشر كتاباته في صحيفتي " كل الناس " و " فصل المقال " وفي المواقع الالكترونية .
عانى عمر سعيد الملاحقات البوليسية وزج به خلف قضبان السجن ، في اطار سياسة تكميم الأفواه ، وخنق الصوت الوطني الفلسطيني الملتزم ، واغتيال الفكر الثوري المقاوم .
وفي مقال له تحت عنوان " على أعتاب مرحلة .." يرى د. عمر سعيد " اننا على أعتاب مرحلة قادمة فيها سيعاد تشكيل قسمات المتخيل في الفكر الديني والوعي الشعبي ، ولكن تحت وطأة الضرورة وليس كخيار عقلاني لدى النخب الاسلامية ، التي كان اجدر بها ممارسة نقد علمي مسؤول للموروث ، وتأسيس تصور حداثي للاسلام ونهضة مجتمعاته ، بدل التمسك بدولة الخلافة ومقاومة التجدد العقلي وتكفير طوائف باكملها في زمن لم يعد يحتمل مثل هذه الفتاوى " .
وعندما حوكم نصر حامد أبو زيد ، المفكر المصري والعربي الكبير ، بذريعة الافساد والتجروء على الدين كتب د. عمر سعيد مقالاً في صحيفة " فصل المقال " دافع فيه عن حامد أبو زيد ومشروعه الفكري ، وقد رحل عن الدنيا وهو في السجن ، وكما يقول سعيد : " لقد لفني الأسى والندم عن استنكافي في تأدية أبسط الواجبات بحق هذا الرجل والمفكر الالمعي ، دعماً ونقداً " .
ويدعو عمر سعيد لممارسة حوارات فكرية نقدية متفتحة ، وليس مطالبة بحالة صمت تصالحي ، وضرورة نقد " المقدس " وتحطيم الاصنام التي تجهل تراثنا العربي الفكري .
يمتاز نهج د. عمر سعيد بالجرأة والشجاعة في قول الحقيقة التي يؤمن بها دون مواربة ، وهو يتصف بسعة الاطلاع الشمولي على المصادر الفكرية والفلسفية . انه وجه سياسي انتقادي ، وكاتب مؤدلج يزج بفكره وموقعه السياسي وقتاعاته الايديولوجية بشكل صريح وواضح .
وباختصار ، عمر سعيد سندباد الفكر والنقد العقلاني بالداخل الفلسطيني في المرحلة الراهنة .
تحية حب وتقدير للدكتور عمر سعيد ، وكلنا ثقة وأيمان وأمل كبير بان ينتصر مشروعنا الفكري الفلسفي العقلاني النقدي الحضاري ، المنحاز للعقل والتقدم والحداثة والمدنية والمعاصرة .
بقلم/ شاكر فريد حسن